كان نهرا غاضبا يمتد على طول الطريق، فإذا كنت في أوله، أغراك الماء بلونه ورائحته، فلم تشعر إلا بالبرودة الفتاكة، بالعطش والإرواء في آن، على الضفة كنت واقفا أراقب المنظر الإشعاعي وبيني وبينه بضع خطوات ... أنظر إليه في استغراب، متردد في محادثته، وعندما كنت أتذكر طفولتي وعبثها، لم أشعر به عندما خلع ملابسه إلا ما يستر جهازه مرتميا في أعماق النهر في لحظة وسرعة، وبعد أن استفقت على صوت صدامه بالماء وجدت أن الرجل الذي كان واقفا بالقرب مني مازال في مكانه، لكنه على شكل مختلف، على هيئة وحش، لا يحرك جسمه أو رأسه، .... فخفته رغم أنه جامد لا يبين أي حركة أو صوت، وبينما أنا على حسرتي بين الهروب أو الاقتراب منه فطنت إلى حقيقة مضحكة، إن هذا الرجل تمثال ! فشعرت بطمأنينة سرية وسخرية، واقتربت أتحسسه وعلى ذهني غشاوة ثقيلة مازالت علائم الخوف تسكته :
_ "ياله من تمثال جميل" ! .
جفلت على صوت التمثال في قشعريرة :
_ "أنا لست تمثالا بل إنسان" ! .