خطوتي نحوي امّحاءُ الشيءِ فاكتبْ ما ترى في ماء تيهِ.
************
ليكنْ ما خطّه الطبشورُ فوق الحائطِ العاري طفولة و تجوّلْ حافيا يا وقتُ، أعشى،
فوق أكياس القماماتِ التي تُرْمى من المبنى لتزداد الكهولة
ورمًا،
عكّازُها التدخينُ، ولِيَسْقُطْ ذبابُ الضجرِ الأعتى على مائدةِ الرزقِ، ليفتحْ
تاجر الفطنة دكّاناً لردمِ الحفرِ الرعْناءِ في جسْمي برمْلِ المتعةِ الشتّى
لِتصْعَدْ فوق فُوهاتِ قدورِ العيشة العُسْرى هنا
أبخرةُ الوعْظ الدَسِمْ
و لتختصرْ فلسفةُ الناسِ الحياةَ الآن في شبْهِ الحياة.
لكأنَّ العيشَ إسكافيُّهُ لم يستطعْ ترقيعَ ثقبِ الموتِ في هذا الحذاء المتسمّى جسدٌ،
واسْتعصَمَ المسمارُ بالدنيا صديئًا رأسُه يرنو إلى الكُلاّبِِ من تحت غطاءِ الجلْدِ في شمسِ نهارٍ حامضِ الإبطينِ، واذهبْ
أيّها الوقتُ إلى السّوقِ اشْترِ الأيّامَ في كيسٍ وبَعْثِرْهُ لكي يقتاتَ من آثارنا دودُ الكآبة.
أيّها الملحُ الذي بِيعتْ له أفئدة الطيرِ ولم يبق من الكفّ سوى سبّابةٍ تومئُ للترف العابر في عُلبة فولاذٍ بمنأى عن غبار الواقع المجدور، هذا الديدنُ المسرور بالقحط المحيطِ،
ويكأنّ الشيءَ قتلٌ..لك بيع النبلُ في صمتِ الجماد الحرّ، بيعتْ.. لنفاقٍ زخرفته خُطَبٌ، سبْحاتُ جدِّي المنحني في صمت محراب الصفاء
بيع فستانُ فتاةِ العشقِ للماخورِ في أعراسِك الكُثْرِِ، لَكَ الباعةُ في حيّ الحياةِ المُسْتَحِي من دُعْرِكَ الممدوحِ بِيعُوا، ثمّ بيعت لك يا وقتُ جلود الحيوان الشّهْمِ، بيعت لك حتّى قِرَبُ الماء المندّى وكراماتُ الصباحِ الباكرِ الماضي إلى بستانِ عيدِ العَرَقِ الصافي، لك الأشجارُ بِيعَتْ واستظلّ الملأ الضحلُ بإسمنتِ غباءٍ شقّقته حكمةُ الغشّ، وبِيعَتْ، أيّها الشيءُ لك الآياتُ حتّى في نصوصِ الغيب كي يزداد هذا الكونُ ضِيقًا، أيّها الشيءُ السِوَى..!
ظلُّ التمشّي في رواقٍ يتلوّى بين ميلادٍ ونعشٍ، يا لهاثاً شيّب الرغبة في طينٍ يعضّ الكفّ من أجل وصولٍ نحو هيهاتٍ يُرى في قِيعةٍ .بيع لك المستقبلُ الممتلئ الجعبة بالخِصْبِ، وأقلامِ خيالِ الطِّفْلِ، بِيعتْ دهشةُ التنّور في كُمِّ شتاءٍ يرتدي عائلة الليل ويمضي تحت جنحِ الدفء في صحبةِ جدّاتٍ مُضيئاتٍ إلى غابات رُمّان اللغة.
بيعت الأمّ التي ربّت حليبَ النُبْلِ في شخصيّة المعنى إلى نسيانك الصلدِ، لك العتبةُ أيضًا بِيعَ قُفْلُ الباب فيها لحديدِ الصدأِ المدعوّ ماضٍ، وافتتحتَ الآن صالونَ اصطيادِ الحظّ في دَغْلِ متاعٍ حادَهُ راعٍ إلى بوُرِ الطباع، امَّاعَ فيك النّاس مُذْ أعطوك ألقاباً وصرت الطُوطَمَ العُزّى لهمْ
يا شيءُ، يا ذا الهيكل المنفلتِ الشكل وذا السحرِ الذي يكشط عظمَ التُرْقُوة.
قُلّبٌ لا وجه لكْ
أيّها الشيء الشبكْ
من تمنّاكَ.. هلكْ
من تحاشاكَ..امتلكْ
لك عيدُ..
أن تراني لا أرى شيئا سواك الآن في أصقاع وحدي،
يا غريب الطَيْلَسَانِ
مُخْرِجَ الخذلانِ من حِبْرٍ إلى حِزْبٍ ومنفى.
واهبَ الكتّاب ليلاً سرمديّ الغثيانِ، لك هذا المكتب الدكّان بالإشهار مزدانٌ. لك فخٌّ منْ عُطورِ الفتْنةِ الصُغرى، ورَبْطاتٌ لأعناقِ شخوصٍ صادهُمْ قوسُك بالمكْرِ الذي فيهمْ، وأوراقٌ لفنِّ اللّعبِ الأعمى على حبْلِ ذكاءٍ أحمقِ الروحِ، فساتينُ قضاةٍ ومرايا ونواصٍ وملفّاتُ قضايا استنكِحَتْ فيها القوانينُ، لك الموْهِبةُ النَّجْلاءُ في تمييعِ قارّاتٍ من الأعماقِ والجدوى، لسانُ الهُزْءِ ممّنْ أعْرضُوا عنْ جُحْرِكَ المحشوِّ صِيتاً، لك هذا الغبْنُ فيك....
لك أيضًا دولةٌ كاملةٌ يا وقتُ في الصندوق والشيءُ المُدلّى كالعراجينِ منَ السقْفِ إلى أخماص أقدامِ الخيالِ: بصلُ الحيلةِ، ثوم الخطبِ الحدباء، كبريتُ النّهى، فقهُ الرداءاتِ، صباحُ الخير والضرس الوديعْ ماردٌ أنت عُتُلٌّ وضليعْ
في خطابِ القَفْزِ من قاعِ إلى باعٍ، وأين انْساقتِ السوقُ استَبَقْتَ الرّيحَ يا شيءُ. .!
على صهوةِ كرسيٍّ فخورٍ أو على أكتافِ عِيرٍ وإوزِّ،
جيشُك الدودُ الذي ربّيْتَ في حوْض الطمعْ.
تحسِنُ القعدةَ في مقهاك محفوفًا بقصْباتٍ تُغنّي لك يا بدْر الدّجى، يا وقتُ ! من أين اتجهت الآن يمشي خلفك الظلُّ السلوقي ماهرا في صيد أخبار غبار الناس،فحلاً، مستقيمَ الهرولة.
أيّها الشيءُ الذي ليس يُرى من نتنهِ في كفّك اليومَ هنا يا موتُ عودُ.
أيّها الشيءُ الوقودُ
في خيال النّارِ، يا مرآةَ معيارِ العبورِ الصعبِ نحو الجهةِ الأخرى منَ القلبِ الذي يختارُ، واحْتارَ المعرّي فيكَ واستعْصَى عليك النِفَّري،موتاك مأواك الذي فيه تَراك..
ما سِواك الُله، والدنيا عروشٌ لكَ فاجْلسْ خائفًا من ثقْلِ قِطْمِيرِ جناحٍ في بعوضِ الغيبِ، ممّا ليس شيئًا،خائفًا كلَّ اختلافٍ عنك،مفروشٌ لكَ الصلصالُ أتباعًا ومدّاحِين،لم تتركْ بها شبراً عليه وردةٌ ترتاحُ ممّا أنت،فلاّحُ الفراغ السهلِ، يكفي أن تكونَ الخاطرَ المارَّ برأسِ الوقتِ كي يزدهرَ الشوكُ الذي يُرْضِيكَ في عُجْب اخضرارِ الباطلِ الممتلئِ الشِّدقيِن بالرّيحِ التي منْ كِيرِكَ المنفوخِ تحت الثوبِ هبَّتْ،حين رنّ الهاتفُ المحمولُ في جيبِ التعالي فوق أوساخٍ ترامتْ منك أثناءُ مرورٍ نحو شغلٍٍ شاغلٍ في شارعٍ غاصٍّ بلا شيءَ سِواكَ الآنَ ياشيءُ،
رقابٌ تلك أم بعضُ الدمى علّقتها في خيطِ نزْواتٍ،وسرْبَلْتَ الجسومَ الرقَّ في قُمْصِ النذالة،
ثمّ أرّقت الظلامَ المتغطّي بمشاريع نهارٍ، ثقةُ النّاس بما روّجت فيه السلعةُ المثلى لبيعٍ خاطفِ الرّبحِ،اختصرت الناس في الردح الذي تحياه فيهم، أيّها الشيء العجابُ
لك نابُ الضبعِ في أكبادِ أغنامِ السذاجة
وتجوّلْ
خلسةً يا وقتُ في خُمِّ الذُراقِ الواقعيّ ِالآنَ بحثًا عنْ دجاجَة
علّها تُعطِيكَ بيضَ الذهبِ المدعوِّ حظَّ القفزِ للأعْلَى على متْنِ الذُبابِ المتهاوي فوْقَ أكياسِ القماماتِ التي فلَّحْتَ في صوْبٍ وحدْبٍ،واخترعْ ما شِئْتَ من عُذرٍ وحاجَة..
لِتَزُجّ النّاسَ في فجّ التواءاتِ تقوِّي فيكَ خُرطومَ امتصاصِ النسْغِ منْ عودِ الحياة، اسْتَنْبَتَ الغاوونَ قرنينِ وذيلاً لك واصطفّوا على جَنْبيْك حُجّابًا وخيلاً فتبجّحْ، أيّها الشيء وثـبِّجْ فوق كِتْفَيْكَ عصا الراعي، وأَرْجِحْ رأْسَك المثمولَ وِفْقَ الحبّةِ السوْداءِ في كيميَاءِ ليلِ النّفسِ، قدْ سِيقَتْ لكَ الأيّامُ و الفتوى.
كأنْ ما كنْتَ طفلاً ذات يومٍ ! أيّها الشيءُ! ألَمْ يَعْبُرْكَ شكٌّ شاعريّ؟
لم تُعذّبْكَ نجومُ الليلِ في التفتيش عن بدءٍ!
ألم تلعقْ مخاطَ الأنْفِ مذهولاً أمام الغيمِ فوق الدار في "دُوّار" ماضيكمْ؟
ألم تُلْزِمْكَ حصْباءٌ فراشًا،
لم تعلّمْكَ العصافيرُ الخيالَ الحرَّ،لم ترضعْ حليبَ التينِ،
لم تركبْ حمارَ السقْيِ من بئرٍ متاهٍ،
لم يسائلْكَ خريرُ الماءِ في ساقية القريةِ،لم تشربْ نسيم البحر من كأس الضحى، لم تقترفْ ذنبًا يضيئ الدمعَ في العينين،
لَمْ تَصْطَدْ فراشَ الغبطةِ الشفّافِ،
لم تدخلْ إلى كهفٍ وحيدًا لترى الله رفيقًا فيك،
لم تعطُبْكَ موسيقى لم تخضّبْ فيك حنّاءُ حياءِ الحبِّ لحمَ الوجه، لم تُنْضِجْكَ أخطاءٌ صديقة
يا لهول الفقر فيما بين جنْبَيْكَ !
ألَمْ تصْحَبْ أباً في السعْيِ عند الفجرِ مشدوهَ الخُطى؟
منْ أنت؟من أيْن انْدلقْتَ التوَّ في صحْنِ امتعاضِ الوعْيِ،
قلْ ِلي مرّةً.................
هل أّمُّكَ الإمرأةُ الإنسانُ أم فرْجُ عُبورٍ عاجلٍ،
هل أنتَ هارُوتُ الخليقة؟
التوقيع
من رأى الشيءَ حُجِبْ
من رأى في الشيءِ سُلطاني اقتربْ
جاءني من قد تعرّى من ثيابِ الشيءِ فيهِ
خُطْوَتي نحوي امّحاءُ الشيءِ فاكتبْ ما ترى في ماء تيهِ
رغم كل الجمال وما فيها من الفلسفة التي استوطنت النص وزادته جمالا و بعض غموض يمكننا من حرية الغوص في أعماق النص
كأني قرأت خاطرة و قصيدة أو قصيدة و خاطرة..
تحية تليق أستاذي
الأديبة الفاضلة مرمر القاسم
أعرف أنّ النّص يحتاج إلى صبر وإعادة قراءة,. ولكنّ ما تقولين يعبّر ولا شكّ عن ذائقة فائقة، وعن دراية بالشعر وبأنماط الكتابة.
بالنسبة لي هي تجربة كتابة ليس إلاّ. وللقارئ كامل الحريّة في أن يرى فيها ما يرى من حيث كونها قصيدة أو خاطرة. أنا أتقبّل جميع الردود على تنوّعها وتباينها بصدر رحب ، محاولا الاستفادة منها في أفق آخر هو هاجسي الخاص في تفتيق جميع امكانات القول الشعري داخل الجملة العربية، بعيد عن أي نمطية لمفهوم القصيدة بالوجه المألوف.
سعدت كثيرا بردّك، وأسعدني أكثر جرأة التعليق على النص بحريّة وبعفويّة ذوق في القراءة والنظر.
تحيّاتي وخالص مودّتي
التوقيع
من رأى الشيءَ حُجِبْ
من رأى في الشيءِ سُلطاني اقتربْ
جاءني من قد تعرّى من ثيابِ الشيءِ فيهِ
خُطْوَتي نحوي امّحاءُ الشيءِ فاكتبْ ما ترى في ماء تيهِ
إن كنت تريد أن تنهل من نميره ورؤية جمال لوحاته والاستماع لبوحه
فالتحف الصبر واتسم بالتأني فالوصول إلى ورده ليس سهلا
والتزود بجمال لوحاته يحتاج إلى إزاحة الستار بفكرك
والاستماع إلى موسيقا قلبه يحتاج إلى أذن واعية مدربة
لا أقول أني استوعبت كل ما قرأت ولكني خرجت من معبدك
وأنا نشوان لما حصلت عليه فهذه دوحة وارفة وثمارها دانية
فقطفت الكثير وتركت القليل وهي بحاجة إلى ناقد محترف كبير
حييت أيها الشاعر الذي عانق أفكار المعري وكبرياء المتنبي
نص متألق فكرا وفلسفة صيغ بإحكام الشاعر المتمكن لأدواته
لك مني أجمل تحية وأرق مودقة وأسمى آيات التقدير والاحترام
أديبنا الفاضل عبد الرسول معله.
كما عهدناكم دائما، القارئ الذوّاقة، لا أدري كيف أشكرك على ما تغدقنا به من إطراء، وتتكلّفه من صبر لقراءة نصوصي على ما فيها أحيانا من طول،وما تقتضيه من إعمال نظر.
ويسعدني أكثر أن تجد فيما نكتب متعة القراءة، فلا محرّك للقراءة أقوى من المتعة على رأي المفكّر الفرنسي رولان بارت.
إن كان لي أن أقول عن نصّي شيئا بوصفي قارئا له الان، فإنّ فيه اشتغالا على الجملة الطويلة،بهاجس كسر حدود نمط الجملة العربية الشعريّة القصيرة، كما كان الحال لدى الروائيّ الفرنسي بروست الذي كان يحلم أن يكتب جملة فرنسية بطول واحد كليمتر، وإن كان ذاك في السرد.
أمّا من زاوية الرؤيا فهناك اشتغال مستوحى من الفكر الصوفي في النظر إلى وجوديّة الشيء في حياة الانسان وتفعيل للفكرة ضمن صور الواقع الاجتماعي المعاصر. وللقارئ المتعدّد إمكانات تحليل وتفسير أخرى.
أيّها الفاضل عبد الرسول معلة
لك خالص الودّ والامتنان والشكر والتحيّة من القلب.
وخالص ودّي أيضا لكلّ مشرفيّ نبع العواطف وشكري كبير لهم على احتضانهم لنا وللنصوص التي نكتبها.
التوقيع
من رأى الشيءَ حُجِبْ
من رأى في الشيءِ سُلطاني اقتربْ
جاءني من قد تعرّى من ثيابِ الشيءِ فيهِ
خُطْوَتي نحوي امّحاءُ الشيءِ فاكتبْ ما ترى في ماء تيهِ