ولد الشاعر بشار بن برد أعمى ورغم ذلك استطاع أن يستوعب فصاحة اللغة وكان شديد الذكاء والحس وهو من الشعراء المخضرمين إذ عاش أواخر العصر الأموي وأوائل العصر العباسي وكان يأتي في شعره بالمعاني النادرة والتشبيهات الرائعة التي يعجز عنها المبصرون
لبشار بن برد أبيات نرى فيها كيف يحول المرء النقص الى فضيلة ومتعة في الحياة ترتاح لها النفس وقليل من يشعرك بهذا الأمل:
وعيرني الأعداء والعيب فيهم= وليس بعار أن يقال ضرير
إذا أبصر المرء المروءة والتقى= فإن عمي العينين ليس يضير
رأيت العمي أجراً وذخراً وعصمة = وإني إلى تلك الثلاث فقير
قالوا : تعشقتها عمياء ؟ قلت لهم := ما شانها ذاك في عيني ولا قدحا
بل زاد وجدي فيها أنها أبداً = لا تنظر الشيب في فودي إذا وضحا
إن يجرح السيف مسلولاً فلا عجب = وإنما أعجب لسيف مغمد جرحا
كأنما هي بستان خلوت به =ونام ناطوره سكران قد طفحا
تفتح الورد فيه من كمائمه = والنرجس الغض فيه بعدما انفتحا
قال الأصمعي :
لقيت أعرابيا فسايرته ثم نزلت معه وكانت له حالة رثة بذة فحادثته واستنشدته فأنشدني أشعارا كأنه هو قائلها واستخبرته عن أخبار وكأنه كان مشاهدها فطفقت أتعجب من جماله وكماله وسوء حاله
فسكت سكتة ثم أنشأ يقول :
أأخــــي إن الحادثات = عركنني عرك الأديم
لا تنكرن أن قد رأيت = أخاك في طمري عديم
إن كـــن أثوابي بلين = فإنهـــن على كـــريم
وحقكم ما غير البعد عهدكم = وإن حال حال أو تغير شان
فلا تسمعوا فينا بحقكم الذي = يقول فلان عندكم وفلان
لدي لكم ذاك الوفاء بحاله = وعندي لكم ذاك الوداد يصان
وما حل عندي غيركم في محلكم = لكل حبيب في الفؤاد مكان
ومن شغفي فيكم ووجدي أنني = أهون ما ألقاه وهو هوان
ويحسن قبح الفعل إن جاء منكم = كما طاب ريح العود وهو دخان
قال عبد الله بن سليمان القرطبي النحوي - المعروف بدرود، وكان أعمى:
تقول: من للعمى بالحسن قلت لها: = كفى عن الله في تصديقه الخبر
القلب يدرك ما لا عين تدركه=والحسن ما استحسنته النفس لا البصر
وما العيون التي تعمى إذا نظرت =بل القلوب التي يعمى بها النظر