لم يكن من قبيل الصدفة ان يشغل الادباء والشعراء مكانة كبرى في الحياة الاجتماعية والسياسية . فقد كانت بلاغة اللسان , وقوة البيان , وسحر الكلمة , شروطاً أساسية لابد من توافرها في السياسي الناجح , والحاكم النابه, ورجل الدولة المرموق . . الخ . وقد كان من بين السمات الرئيسية للسياسي ان يملك لسانه , بحيث يعرف كيف يأتي بالكلام في موضعه , لأن تقديم ما يقتضي التأخير عجلة وخرق , وتأخير ما يقتضي التقديم توانٍ وعجز . ومن هنا فان السياسي في معظم الاحيان هو رجل حكيم يدرك ان الكلام في غير حينه لايقع موقع الانتفاع به , ويعرف ان ما لاينفع من الكلام هذيان وهذر , ويعلم حق العلم ان لكل مقام قولاً , وفي كل زمان عملاً . وقد اهتم الحكماء بشرح شروط الكلام , لا للرجل السياسي وحده , بل لكل من يضعه منصبه موضع المعلم او الموجه او المرشد , فقالوا ان الشرط الاول من شروط الكلام ان يكون القول لداع يدعو اليه , إما في اجتلاب نفع أو دفع ضرر , والشرط الثاني ان يأتي المتكلم بقوله في موضعه , ويتوخى به اصابة فرصته , والشرط الثالث , ان يقتصر منه على قدر حاجته , في حين ان الشرط الاخير ان يتخير اللفظ الذي يتكلم به , خصوصاً ان اللسان عنوان الانسان , يترجم عن مجهوله , ويبرهن عن محصوله ... كفى بالمرء عيباً ان تراه ......... له وجه وليس له لسان !