تحية لك ِ ..أيتها البعيدة في واقع ِ الأمر. القريبة من مكامن الروح خيالا ً وتصورا ً .
وبعد ..
القي عليك ِ تحية فواحة بعطر الأرض لصباح ٍ من صباحات بلادي الندّية .مكللة بما تناثر من ندىً
على أهداب الورد خجلة تلامس كفّ نور الشمس وهي يحاول أن يشق طريقا ً لهُ من بين ما تراكم
من غابات الغمام .ليرسم في كبد السماء لوحات ماكان لريشة رسام أن تمنحها ذلك التبدّل الآني
والتكوين الجمالي من لون متجدد ومتقلب بين عتمة وضوء وفرح لنور يتغلغل بين تراكمات وشّت
السماء بنذر المطر وشيء من حزن شفيف .
اعلان مبكر لوصول الشتاء .أتمنى أن يكون محملا ً بالمطر. وأنا سمائي أيضا ً تشتاق في غيابك ِ كثيرا ً لوقع المطر .
فالروح يحاصرها الجدب حتى لأخال أنها تشبه أرض جرداء تشققت من لفح عطش طويل .
وأنتِ تعلمين كم أعشق المطر .فكم كانت لنا من حكايات همسنا بها في ذلك الركن القصيّ .ورذاذ المطر يكاد يلمس تلك المقاعد البدائية التي صنعناها معا ً من جذع شجرة عجوز ألقت بجسدها على الأرض بعد زهو ربيع عمرها المورق .الوارف بالظلال .
ربما ماكان بيننا من مواقف تشبه الآن بمصيرها حياة تلك الشجرة الهرمة .نماء وإيناعة غصن ..ثم جدب وموت جذع .
تلك البقعة التي آوتنا معا ً ..كم أشتاق أليها فهي ليست بالمكان المجرد الذي لايحمل إلا دلالاته المادية .
ربما كانت لي ملاذا ً من كل ما يدهم حاضرة تفكيري من قلق حرب تكبل خطى أيام العمر .
أنا الذي أخوض غمار الحرب مقاتلا ً ألقت به الأقدار في رحم المعارك محاولا ً أن أجد في خضم آتونها فلسفة الموت والحياة والتضحية وجدواها !
هل سيكون الأمر بذات وقع ما حدث لرفاق السلاح ممن طرزوا بالشهادة صفحة النهاية لعمر ٍ وإن طال فهو وفق تصوري قصير .لابل
من القصر ما لا يمكن إدراك أبعاده ..!
وهل أن الثمن لو أقدمت ُ على الموت وفق طبيعتي المُُندفعة التي جُبلت ُ عليها .أو لحادث ٍ عرضيّ من تلك الحوادث التي تحفل بها ساعات العيش على خط النار .والرصاص وإنفلاقات القصف المدفعي زادنا اليومي الذي لا تَبدل له ..
لاأدري لم تداعت كل تلك الأفكار من زمن ٍ ربما مَن يتصور أحداثهُ بالسنة المعنية سيقول أنهُ أمد بعيد لماض ٍ منصرم .رغم ذلك كان لي حينها كل تحسس مرهف للجمال ومكامنه .وربما كنت ِ أنت ِ إحتزال لكل شيء جميل .
الآن تجردني غربتي من أبجديات تلـّمس الجمال بعمقه .حيث يحيط بي .كل شيء يأخذ طابع السطحية هنا .
ربما لأنك ِ هناك حيث الزمن البعيد القريب وحيث تلك الأماكن وما تعنيه تمثلان كل دلالة لعمق وكل طعم لمذاق الطهر والفرح العذري .
كم كنا حينها لانبالي ولانعير إنتباها ً لعيون ربما كانت ترقب جلستنا من بعيد أو قريب.
وهل يعبأ هارب من جحيم إلى نبع رواء بكائن آخر ؟
كنا ندرك معا ً أن ليس بالضرورة أن يدرك الآخرمعنى أو فهم أن أكون أنا وأنت ِ هائمين معا ً بجمال ما رسم الله سبحانه من جمال .
في أفق يمتد أمام ناظرينا من ماء نهر وتشابك شجر .وربما تشابك كفين في لحظة تواصل عميق !
يومها لم يدر بخلدي يوما ً أني سأستمد من كل ذلك إحساس الفقد ورغبة الكتابة لتجسيد ولو هامش بسيط مما كان لنا معا ً . حين تأخذنا محاور الحديث .. وقد نقرأ لكلينا ما حفظنا من شعر .وكم كنت ُ أجد في جرس الكلمات الخارجة بتؤدة الهمس وغنج الأنثى الشهية في كل شيء يوحي أن ها هنا أنثى تجيد النبض بدفق أجمل لثنايا كلمات الغزل .لقصائد تلك الشاعرة الجميلة وقصائدها الأجمل.
متى ما ترنمت ِ بها وإرتعاشات صوتك ِ مذاق آخر لمعنى الحنان وحرقة الأنثى العاشقة .في كل صورة تجسدها أحاسيس لك ِ بين صوت ٍ وإيماءة من عينينكِِِ السابحتين في هلام الحلم ولأفق نهر ٍ . تمتزج كتوليفة في كل كلمة ٍ وهي تخرج من بين شفاهك ِ المكتنزة ..بحمرة الورد !
لم يكن الأمر محض علاقة عابرة ولا إلتقاء لرجل بإمرأة على هامش الزمن .
كان الأمر حتما ً أكبر من مصادفة . وأعمق من قدر ساق كلينا في منعطف من منعطفات الحياة الكثيرة . المضحكة أحيانا ً والمُبكية في أحايين كثيرة .
كان الفكر والخيال والسموّ الروحي أكبر من أن توصف به تلك الحوارات في غفلة من زمن كنا نسرق دقائق يومه من براثن تراكمات مشاغلنا .وكل شيء من شخوص ٍ وظروف ٍ معاندة أحيانا ً .
لم يتبقى من كل ذلك الآن سوى ذكرى تفرض حضورها عليّ في كل حفل للتأمل والجمال .أولمضامين الوحدة القاتلة والغربة المؤلمة التي أفتقد بها العقول قبل القلوب .
وكما آمنا يوما ً أن الغربة غربتان .غربة للجسد ..والموجعة الأخرى للروح .
ها أنا بفقدك ِ .. وحضورك ِ المميز على كياني أعاني الغربتين معا ً .
أحيانا ً إن إستبد بي القلق وجفى عينيّ النوم ألتجىء إلى ذلك الخيال الساحر الذي نصوغ منهُ تصورات تشبه عبث الأطفال
وبراءة خيالاتهم وهم يستطلعون وعي الحياة .
مضت الأيام على عجل .كان لفرارها وقع الألم القسريّ وكيفية التطبّع على إحتماله مرغما ً على الإعتياد...
لازلت أعتقد جازما ً ..أن لاشيء لهُ ثبات .ولاثبات ٍ إلا إلى زوال .!
ولكن لا أدري ما الذي دفعني للكتابة إليك ِ الآن .؟
لأني وطنت نفسي على نسيانك ِ أو تناسيك ِ مُرغما ً .
يبدو أنها رغبة لكسر طوق الملل أو هي محض حاجة لرفض المألوف من تتابع لامعنى لهُ لوضع مقلق لزحف حياة تكلل أيام غربتي بالوحشة والحزن .
لا أود أن أطيل .ولا أن يتشعب حديث الذكريات .أو أن أثقل عليك ِ وأنت ِ تتابعين إنهياري بعد زمن..
ربما لا بل من المؤكد أني سألقي برسالتي هذه إلى أقرب موقد للنار ..!
لأني أرغب أن تتذوق النار بعض حرقة الروح وهي تبث إليك ِ نجواها .
إن كان ووصلت رسالتي إليك ِ فأعلمي أن لادخل لي في الأمر .ولا أعرف إن كان سيحملها أحد ما إليك ِ ..
لكنها كلمات ساقها إحساس لا أعرف كنهه أني الساعة في قمة الإحتياج لعناقك ِ .لا لمخلوق ٍ سواك ِ !
حتى يجيء يوم تحاصرني فيه ذكراك ِ في كل زاوية من الزوايا ..ولا أستطيع الفرار منها بسهولة ..
سأمسك القلم .. كما أفعل الساعة لأكتب إليكِ من جديد ..!
عذرا يا سيدي ... !!
فقلمي العابث قد عكر صفو صفحتك النقية .. بهذيانه المعهود
كل المودة والاحترام
الأستاذة الرائعة ديزيريه سمعان
تراتيل حرفك رائعة .. وانسياب له من رقراق الماء نصيب ..
عذرا ً لبعض الهنات الإملائية .. فلم اراجع النص رغم كتابتي له من زمن ..ولااتمتع بخاصية التعديل الآن
حضورك ِ .. أين ما كان يمنحني الغبطة ..
حماك ِ الله
فيض محبة ..وتراتيل احترام