آخر 10 مشاركات
الزحاف الجاري مجرى العلة في القصيدة (الكاتـب : - )           »          اللَّهمَّ صلِّ على سَيِّدِنا محمد (الكاتـب : - آخر مشاركة : - )           »          سجل دخولك بنطق الشهادتين (الكاتـب : - آخر مشاركة : - )           »          دمـوعٌ خـرســــــــــاء .. !!!!! (الكاتـب : - )           »          محبك في ضيق..وعفوك اوسع ... (الكاتـب : - )           »          الزحاف المركب ( المزدوج) في العروض (الكاتـب : - )           »          الزحاف المفرد في العروض (الكاتـب : - )           »          أسماء القافية باعتبار حركات ما بين ساكنيها (الكاتـب : - )           »          في السماء بلا حدود (الكاتـب : - )           »          خطاب فلسطيني (الكاتـب : - )



العودة   منتديات نبع العواطف الأدبية > نبع الزمان > اختيارات أدبية > من قصص الشعراء،المحاكمات الأدبية

الملاحظات

الإهداءات
عواطف عبداللطيف من أهلا وسهلا : بالشاعر خالد صبر سالم على ضفاف النبع يامرحبا منوبية كامل الغضباني من من عمق القلب : سنسجّل عودة الشاعر الكبير خالد صبر سالم الى منتدانا ************فمرحبا بالغائبين العائدين الذين نفتقدهم هنا في نبع المحبّة والوفاء وتحية لشاعرنا على تلبية الدّعوة

إضافة رد
 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
 
قديم 08-21-2011, 09:29 PM   رقم المشاركة : 1
عضو مجلس إدارة النبع
 
الصورة الرمزية سمير عودة






  النقاط : 10
  المستوى :
  الحالة :سمير عودة غير متواجد حالياً
اخر مواضيعي
 
0 مجبولة بالحزن
0 الليل دونك
0 نار الوحدة

قـائـمـة الأوسـمـة
افتراضي المحكمة الأدبية رقم(31 ) لعلي محمود طه

علي محمود طه

(1901- 1949)


ولدت في الثالث من أغسطس سنة 1901 بمدينة المنصورة عاصمة الدقهلية لأسرة من الطبقة الوسطى وقضيت فيها صباي . حصلت على الشهادة الابتدائية وتخرجت في مدرسة الفنون التطبيقية سنة 1924م حاملاً شهادة تؤهلني لمزاولة مهنة هندسة المباني . واشتغلت مهندساً في الحكومة لسنوات طويلة ، إلى أن يسّر لي اتصالي ببعض الساسة العمل في مجلس النواب .
وقد عشت حياة سهلة لينة أنعم فيها بلذات الحياة كما تشتهي نفسي الحساسة الشاعرة . وأتيح لي بعد صدور ديواني الأول " الملاح التائه " عام 1934 فرصة قضاء الصيف في السياحة في أوروبا أستمتع بمباهج الرحلة في البحر وأصقل ذوقي الفني بما تقع عليه عيناي من مناظر جميلة .

وقد احتللت مكانة مرموقة بين شعراء أربعينيات القرن العشرين في مصر منذ صدر ديواني الأول " الملاح التائه "، وفي هذا الديوان نلمح أثر الشعراء الرومانسيين الفرنسيين واضحاً لا سيما شاعرهم لامارتين . وإلى جانب تلك القصائد التي تعبر عن فلسفة رومانسية غالبة كانت قصائدي التي استوحيتها من مشاهد صباي حول المنصورة وبحيرة المنزلة من أمتع قصائد الديوان وأبرزها.
وتتابعت دواويني بعد ذلك فصدر لي :
1** ليالي الملاح التائه (1940)
2** أرواح وأشباح (1942
3** شرق وغرب (1942)
4** زهر وخمر (1943)
5** أغنية الرياح الأربع (1943)
6** الشوق العائد (1945)- وغيرها.

وقد كان التغني بالجمال أوضح في شعري من تصوير العواطف، وكان الذوق فيه أغلب من الثقافة . وكان انسجام الأنغام الموسيقية أظهر من اهتمامي بالتعبير.
وقد قال صلاح عبد الصبور في كتابه ( على مشارف الخمسين ": قلت لأنور المعداوي: أريد أن أجلس إلى علي محمود طه. فقال لي أنور : إنه لا يأتي إلى هذا المقهى ولكنه يجلس في محل " جروبي " بميدان سليمان باشا. وذهبت إلى جروبي عدة مرات، واختلست النظر حتى رأيته .. هيئته ليست هيئة شاعر ولكنها هيئة عين من الأعيان . وخفت رهبة المكان فخرجت دون أن ألقاه)
ولم يسعفني الزمان فقد مت في 17 نوفمبر سنة 1949 إثر مرض قصير لم يمهلني كثيراً وأنا في قمة عطائي وقمة شبابي ، ودفنت بمسقط رأسي بمدينة المنصورة . ورغم افتتاني الشديد بالمرأَة وسعيي وراءها إلا أنني لم أتزوج .

وأعدُّ من أعلام مدرسة "أبولو" التي أرست أسس الرومانسية في الشعر العربي.. يقول عني أحمد حسن الزيات:
( كان شابّاً منضور الطلعة، مسجور العاطفة، مسحور المخيلة، لا يبصر غير الجمال، ولا ينشد غير الحب، ولا يحسب الوجود إلا قصيدة من الغزل السماوي ينشدها الدهر ويرقص عليها الفلك!!(

ويرى د. سمير سرحان ود. محمد عناني أن ( المفتاح لشعري هو فكرة الفردية الرومانسية والحرية التي لا تتأتى بطبيعة الحال إلا بتوافر الموارد المادية التي تحرر الفرد من الحاجة ولا تشعره بضغوطها.. بحيث لم يستطع أن يرى سوى الجمال وأن يخصص قراءاته في الآداب الأوروبية للمشكلات الشعرية التي شغلت الرومانسية عن الإنسان والوجود والفن، وما يرتبط بذلك كله من إعمال للخيال الذي هو سلاح الرومانسية الماضي.. )
وكنت من أوائل من ثاروا على وحدة القافية ووحدة البحر، مؤكداً على الوحدة النفسية للقصيدة، فقد كنت أسعى - كما يقول الدكتور محمد حسين هيكل في كتابه ثورة الأدب - أن تكون القصيدة بمثابة "فكرة أو صورة أو عاطفة يفيض بها القلب في صيغة متسقة من اللفظ تخاطب النفس وتصل إلى أعماقها من غير حاجة إلى كلفة ومشقة.. كان علي محمود طه في شعره ينشد للإنسان ويسعى للسلم والحرية؛ رافعاً من قيمة الجمال كقيمة إنسانية عليا..

وأعد من أبرز أعلام الاتجاه الرومانسي العاطفي في الشعر العربي المعاصر ، وقد صدرت عني عدة دراسات منها:
1. كتاب أنور المعداوي " علي محمود طه: الشاعر والإنسان "
2. كتاب للسيد تقي الدين " علي محمود طه، حياته وشعره
3. " كتاب محمد رضوان " الملاح التائه علي محمود طه "
وقد طبع ديواني كاملاً في بيروت .

نماذج من شعري


فلسطين


أخي جاوز الظالمون المدى= فحَقَّ الجهاد وحَقَّ الفدا
أنتركهم يغصبون العروبةَ=مجد الأبوة والسؤددا
وليسوا بغير صليل السيوفِ=يجيبون صوتاً لنا او صدى
فجرد حسامك من غمده=فليس له بعد ان يغمدا
أخي أيها العربي الأبيُّ =أرى اليومَ موعدنا لا الغدا
أخي اقبل الشرق في أمة =تردّ الضلالَ وتحيي الهدى
صبرنا على غدرهم قادرينَ =وكنا لهم قدراً مُرصَدا
طلعنا عليهم طلوعَ المنونِ =فطاروا هباءً وصاروا سُدى
اخي قم إلى قبلة المشرقين =لنحمي (فلسطين) والمسجدا
أخي ان جرى في ثراها دمي =واطبقت فوق حصاها اليدا
ففتش على مهجة حرةٍ =ابت ان يمرّ عليها العِدا
وقبلّ شهيداً على ارضها =دعا باسمها اللهَ واستشهدا
فلسطين يحمي حماك الشباب =وجلّ الفدائي والمفتدى
فلسطين تفديك منا النفوس =فإما الحياة وإما الردى
......................


الجندول


اين من عيني هاتيك المجالي= ياعروس البحر , ياحلم الخيال
اين عشاقك سمار الليالي =اين من واديك يامهد الجمال
موكب الغيد وعيد الكرنفال= وسرى الجندول في عرض القتال
بين كأس يتشهى الكرم خمره =وحبيب يتمنى الكأس ثغره
التقت عيني به أول مره =فعرفت الحب من أول نظره
أين من عيني هاتيك المجالي= ياعروس البحر , يا حلم الخيال
مر بي مستضحكا في قرب ساقي= يمزج الراح بأقداح رقاق
قد قصدناه على غير اتفاقِ= فنظرنا , و ابتسمنا للتلاقي
وهو يستهدي على المفرق زهره =ويسوي بيد الفتنة شعره
حين مست شفتي اول قطره =خلته ذوب في كأسي عطره
أين من عيني هاتيك المجالي =ياعروس البحر , يا حلم الخيال
ذهبي الشعر , شرقي السماتِ =مرح الأعطاف , حلو اللفتاتِ
كلما قلت له : خذ . قال : هاتِ= ياحبيب الروح يا أنس الحياةِ
أنا من ضيع في الاوهام عمره =نسي التاريخ أو أنسي ذكره
غير يوم لم يعد يذكره غيره =يوم ان قابلته أول مرة
أين من عيني هاتيك المجالي =ياعروس البحر , ياحلم الخيال
قال: من اين ؟ وأصغي ورنا= قلت : من مصر , غريب ههنا
قال : ان كنت غريبا فأنا= لم تكن فينيسيا لي موطنا
أين مني الان أحلام البحيرة =وسماء كست الشطآن نضره
منزلي منها على قمة صخره =ذات عين من معين الماء ثره
أين من فارسوفيا تلك المجالي =يا عروس البحر , ياحلم الخيال
قلت, والنشوة تسري في لساني:= هاجت الذكرى , فأين الهرمان
أين وادي السحر صداح المغاني؟= أين ماء النيل ؟ أين الضفتان
آه لو كنت معي نختال عبره =بشراع تسبح الأنجم اثره
حيث يروي الموج في أرخم نبره =حلم ليل من ليالي كليوبتره
أين من عيني هاتيك المجالي= يا عروس البحر , ياحلم الخيال
ايها الملاح قف بين الجسورِ= فتنة الدنيا وأحلام الدهور
صفق الموج لولدان وحورِ= يغرقون الليل في ينبوع نور
ماترى الأغيدَ وضاء الاسره؟ =دق بالساق وقد اسلم صدره
لمحب لف بالساعد خصره؟ =ليت هذا الليل لا يطلع فجره
أين من عيني هاتيك المجالي= ياعروس البحر , ياحلم الخيال
رقص الجندول كالنجم الوضي= فاشد ياملاح بالصوت الشجي
وترنم بالنشيد الوثني= هذه الليلة حلم العبقري
شاعت الفرحة فيها والمسره =وجلا الحب على العشاق سره
يمنة مل بي على الماء ويسره =ان للجندول تحت الليل سحره
اين يافينيسِيا تلك المجالي؟= أين عشاقك سمار الليالي ؟
أين من عيني يامهد الجمالِ ؟= موكب الغيد وعيد الكرنفالِ؟

وقد لحنهما وغناهما الموسيقار محمد عبد الوهاب












التوقيع

نحنُ يا سيدتي
ندّانِ...
لا ينفصلان

https://msameer63hotmailcom.blogspot.com/
  رد مع اقتباس
قديم 08-22-2011, 02:01 AM   رقم المشاركة : 2
شاعر
 
الصورة الرمزية الوليد دويكات





  النقاط : 10
  المستوى :
  الحالة :الوليد دويكات غير متواجد حالياً
اخر مواضيعي
 
0 الحديث السابق
0 أزاهير تفوح
0 نشيد الحالمين

قـائـمـة الأوسـمـة
افتراضي رد: المحكمة الأدبية رقم(31 ) لعلي محمود طه

أسارع وأحجز مقعدي هنا .........................................






  رد مع اقتباس
قديم 08-22-2011, 11:01 AM   رقم المشاركة : 3
عضو مجلس إدارة النبع
 
الصورة الرمزية سمير عودة






  النقاط : 10
  المستوى :
  الحالة :سمير عودة غير متواجد حالياً
اخر مواضيعي
 
0 مجبولة بالحزن
0 الليل دونك
0 نار الوحدة

قـائـمـة الأوسـمـة
افتراضي رد: المحكمة الأدبية رقم(31 ) لعلي محمود طه

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الوليد دويكات نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة
  
أسارع وأحجز مقعدي هنا .........................................

..............
أخي العزيز
مقعدك محجوز مسبقاًوقد أكدتَهُ أنت
بانتظارك
محبتي












التوقيع

نحنُ يا سيدتي
ندّانِ...
لا ينفصلان

https://msameer63hotmailcom.blogspot.com/
  رد مع اقتباس
قديم 08-22-2011, 01:52 PM   رقم المشاركة : 4
أديب وفنان






  النقاط : 10
  المستوى :
  الحالة :عمر مصلح غير متواجد حالياً
اخر مواضيعي
 
0 شموع الخضر
0 حواريات / مع شاعرة
0 حواريات / رحلة

قـائـمـة الأوسـمـة
افتراضي رد: المحكمة الأدبية رقم(31 ) لعلي محمود طه

ألأستاذ الفاضل محمد سمير .. تحية بحجم نبلك الكبير
إلقاء الضوء على سيرة شاعر كبير رفد الوسط الأدبي بمنجز ثر ، دليل نبلك أيها الرائع .. لتذكيرنا بالعظام من شعرائنا , ولتعريف الشباب بعلم من أعلام الشعر العربي.
لك أطيب المنى.







  رد مع اقتباس
قديم 08-22-2011, 02:31 PM   رقم المشاركة : 5
أديبة
 
الصورة الرمزية شروق العوفير





  النقاط : 10
  المستوى :
  الحالة :شروق العوفير غير متواجد حالياً
اخر مواضيعي
 
0 سَوْط القَدَرْ
0 ليتني...
0 فوضى إحساس

قـائـمـة الأوسـمـة
افتراضي رد: المحكمة الأدبية رقم(31 ) لعلي محمود طه

لم أكن أعرف عن الشاعر إلا إسمه

ووقوفه وراء القضبان هنا حرك في حب الاستطلاع

فما كان علي إلا أن أدق الأبواب لتحري الحقيقة

و رجعت لكم بهذه الشهادات الحية التي سأدرجها كما هي

للأمانة ولإثراء هذا الملف .













التوقيع

اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عني

آخر تعديل شروق العوفير يوم 08-22-2011 في 09:58 PM.
  رد مع اقتباس
قديم 08-22-2011, 02:33 PM   رقم المشاركة : 6
أديبة
 
الصورة الرمزية شروق العوفير





  النقاط : 10
  المستوى :
  الحالة :شروق العوفير غير متواجد حالياً
اخر مواضيعي
 
0 سَوْط القَدَرْ
0 ليتني...
0 فوضى إحساس

قـائـمـة الأوسـمـة
افتراضي رد: المحكمة الأدبية رقم(31 ) لعلي محمود طه

أحقا مات علي محمود طه؟!

بقلم: أحمد حسن الزيات

...................................


أحقا رفاق علي لن تروه بعد اليوم يُحيي المجالس بروحه اللطيف، ويؤنس الجلاس بوجهه المتهلل، ويدير على السُّمار أكؤساً من سلاف الأحاديث تبعث المسرَّة في النفوس، وتُحدث النشوة في المشاعر؟
أحقا عشاق علي لن تسمعوه بعد اليوم يُنشد القصائد الرقيقة ويُخرج الدواوين الأنيقة، ويصوِّر الحياة بألوان من الشعر والسحر والفتون، في إطار من الجمال والحب واللذة؟
أحقا أصدقاء علي لن تجدوه بعد اليوم يبذل من سعيه ليواسي، وينيل من جاهه ليُعين، ويجعل بيته سكناً لكل نفس لا تجد الدعة ولا الأنس، ومثابة لكل طائر لا يجد الروضة ولا العش؟
أحقا عبادَ الله سكت البلبل، وتحطَّم الجام، وتقوَّض المجلس، وانفض السامر، وتفرَّق الشمل، وأقفر الربيع، وأصبح علي طه الشاعر العامل الآمل أثراً وخبراً وذكرى؟
لقد حدَّثني في تليفون المستشفى يوم الأربعاء، فبشَّرني أنَّ قلبه انتظم، وجسمه صحَّ ووجهه شبا، وأن الأطباء سمحوا له بالرجوع إلى بيته، وأن استقباله في الدار سيعود، وأن مجلسه في (الأميريكين) سينعقد، وأنه سينتظرني يوم الجمعة في مكتبه ليقرأ عليَّ النشيد الأول من ملحمة "اليرموك" التي اقترحتُها عليه، وربما خرج معي بعد القراءة إلى نزهة هادئة في طريق الأهرام؛ ثم ختم عليَّ حديثه الطويل بضحكة حلوة فيها أمل، وعبارة فكهة فيها تفاؤل!
ولكنما كان بين يوم الأربعاء الذي حدثني فيه هذا الحديث، ويوم الجمعة الذي ضرب لي فيه هذا الموعد، يوم الخميس الذي سكن فيه قلبه الطيب فما ينبض بحياة ولا حب، وسكت لسانه الحلو فما ينطق بنثر ولا شعر: طلع صباحه الأسود المشؤوم على غرفة علي وهو يلبس ثيابه ويُداعب أصحابه، وينظر في الداخل فيرى طاقات الزهر تزين المنضدة، وفي الخارج فيرى ممرضات المستشفى يُجمِّلن الممشى، فيهفو الشاعر المعمود إلى أزاهره التي تنفح قلبه بالعطور، وإلى عرائسه التي تغمر قلبه بالشعور، فيخرج ليؤدي ما عليه من المال للمصحة، ومن الشكر للأطباء؛ حتى إذا أبرأ ذمته من حقوق الناس أدار فيمن حوله من أصدقائه وذوي قرباه نظرة فاترة حائرة، ثم أسبل عينيه وخر مغشيا عليه! فخفَّ إليه أساته الذين بشروه بالعافية ووعدوه بالسلامة، وأخذوا يقلِّبونه ويفحصونه فإذا الجسد الجيَّاش بالشباب والقوة هامد لا حراك به ولا حس فيه! وهكذا في مثل ارتداد الطرف ذهب من أرض الآدميين إنسان، وغاب من سماء العبقريين فنان.
والهف نفسي على أحبائه وقد مسَّهم ما مسّني من غصَّة الريق وحرقة الجوى حين نعاه إليهم الناعي! لقد كان كل معنى أقرب إلى علي في أذهانهم إلا معنى الموت، لذلك ظلوا متبلِّدين ساهمين، يُقلِّبون الأكف أسى وحسرة، ويُحرِّكون الألسن إنكاراً ودهشة!
لا يا بديع الزمان! ليس الموت كما زعمت خطباً صعب حتى هان، ولا ثوباً خشن حتى لان! إنما الموتُ نقيض الحياة وبغيضها من أزل الدهر إلى أبده، لا تقترب من مظنته، ولا تأنس بناحيته، ولا تسكن إلى ريحه، حتى يفجأها كالقضاء، ويدهمها كالوحش، ويختلها كاللص! وهل الدنيا كلها بمن فيها وما فيها إلا معركة لا تفتر بين البقاء والفناء والجِدَّة والبلى؟ أرحامٌ تدفع، وأجداثٌ تبلع، وهجوم فيه المرض والشهوة والأثرة، ودفاع فيه الطب والسياسة والخديعة، وصرْعى هذه المعركة الضروس لا ينفكُّون يتناثرون من بين شقي الرحى الهائلة أشلاء لا تُشبع جوف الأرض، ودماء لا تنقع غليل الثرى!
عرفت عليا منذ سبع وعشرين سنة على الضفاف الخضر من مدينة المنصورة، وكان منذ عرفته شاباً منضور الطلعة، مسجور العاطفة، مسحور المخيلة، لا يُبصر غير الجمال، ولا ينشد غير الحب، ولا يطلب غير اللذة، ولا يحسب الوجود إلا قصيدة من الغزل السماوي ينشدها الدهر ويرقص عليها الفلك!
كان كالفراشة الجميلة الهائمة في الحقول تحوم على الزهر، وترف على الماء، وتخفق على العشب، وتسقط على النور، لا تكاد تعرف لها بُغية غير السبوح، ولا لذة إلا التنقل. ثم تتبّعته بعد ذلك في أطواره وآثاره فإذا الفراشة الهائمة على أرباض المنصورة تُصبح (الملاح التائه) في خضم الحياة، و(الأرواح الشاردة) في آفاق الوجود، و(الأرواح والأشباح) في أطباق اللانهاية؛ وإذا الشاعر الناشئ يغدو الشاعر المحلِّق تارةً بجناح المَلَك، وتارةً بجناح الشيطان، يشق الغيب، ويقتحم الأثير، ويصل السماء بالأرض، ويجمع الملائكة والشياطين بالناس.
كان علي ـ واحسرتاه عليه! ـ من أصدق الأمثلة للشاعر الذي خلقته الطبيعة، والشاعر الذي تخلقه الطبيعة يكون في ذاته وفي معناه نشيداً من أناشيد الجمال، ولحناً من ألحان الحب؛ فيكون شاعراً في أخلاقه ومُثُله وأحلامه وهندامه وسلوكه، وفي نمط حياته وأسلوب تفكيره وطريقة عمله وطبيعة صداقته.
وأشهد لقد كان علي ـ برَّد الله ثراه ـ نسَقاً فريداً في الصفاء والوفاء والمروءة والمودَّة. كان لا يطوي صدره على ضغينة، ولا يُحرِّك لسانه بنقيصة، ولا يقبض يده عن معروف، ولا يعقد ضميره على غدر؛ فلم تدَع له هذه الصفات النادرة عدوا، لا في نفسه ولا في الناس، فعاش ـ ما عاش ـ وادِع البال في سلام الحب وأمان الصداقة.
قضى عليٌّ عمره بالعرض لا بالطول، وقدَّرَ عيْشه بالكيف لا بالكم، وجعل همَّه في الحاضر لا في المستقبل، ونظر إلى الشعر نظر البلبل إلى الشدو، فكان يصدر عنه بالطبيعة إعلاناً لوجود، وإبرازاً لنفس، وكمالاً لصورة، وجمالا لحياة! لذلك كان شعره تعبيراً صادقاً عن شعوره، وتصويراً ناطقاً لهواه، ونظاماً متسقاً مع خلقه وطبعه في الحرية والأصالة والوضوح والأناقة والسهولة والسلامة.
إن حياة علي محمود طه كانت أشبه بالطيف، خفق خفوق المَلَك على حواشي الروض ثم عبر، أو الحلم نعم به رائيه في إغفاءة الفجر ثم زال، أو حبَّات الندى تلألأت في وجه الصباح ثم ذهبت في متوع الضحى، أو قطرات المطر سطعت في نفح النسيم ثم تبدّدت في عصْفِ الريح. فالحزن على وفاته حزن على حبيب قضى، وخير مضى، ووفاء غاض، وفن ذهب. فإذا بكَيْنا فإنما تبكي علينا لا عليه، وإذا سألْنا الله العوض منه فإنما نسأله لنا لا له. وكل ما نملكه للفقيد العزيز أن ندعو الله أن يتغمده برحمته، وأن يُنزله منازل الأبرار في نعيم جنتِه.
.................................................
*المصدرأحمد حسن الزيات: أحقا مات علي محمود طه، مجلة "الرسالة"، العدد (856)، في 7/2/1369هـ (28/11/1949م)، ص1641، 1642
.












التوقيع

اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عني

آخر تعديل شروق العوفير يوم 08-22-2011 في 03:11 PM.
  رد مع اقتباس
قديم 08-22-2011, 02:34 PM   رقم المشاركة : 7
أديبة
 
الصورة الرمزية شروق العوفير





  النقاط : 10
  المستوى :
  الحالة :شروق العوفير غير متواجد حالياً
اخر مواضيعي
 
0 سَوْط القَدَرْ
0 ليتني...
0 فوضى إحساس

قـائـمـة الأوسـمـة
افتراضي رد: المحكمة الأدبية رقم(31 ) لعلي محمود طه

شاعر الجندول وشعره المجهول

بقلم‏:‏فاروق شوشة
...........................

حين توفي الملاح التائه‏,‏ شاعر الجندول‏,‏ علي محمود طه‏,‏ في عام‏1949‏ عن ثمانية وأربعين عاما‏,‏ وقرأت نعيه في جريدة الأهرام‏,‏ داهمني حزن شديد‏,‏ وشعور بالفقد المؤلم‏,‏ لغياب شاعر بهرتني في صباي البعيد ـ فقد كنت في الثالثة عشرة ـ لغته الانيقة المترفة‏,‏ وخياله المقتحم المحلق‏,‏ ومعانيه الجريئة المبتكرة‏.‏
كان شاعرا يختلف شعره عن المألوف والسائد‏,‏ الذي عرفته عند شوقي وحافظ وإسماعيل صبري ومطران‏,‏ ثم عند علي الجارم ومحمد الأسمر ومحمود غنيم‏,‏ وغيرهم‏,‏ وكنت قد قرأت لهؤلاء جميعا بنسب متفاوتة‏,‏ في مكتبة البلدية بدمياط‏,‏ وفي مكتبة أبي ومقتنياته‏,‏ لكن شعر علي محمود طه ومذاقه الذي تفتحت عليه بواكير المراهقة‏,‏ وبدايات الارتعاشات العاطفية والوجدانية الأولي‏,‏ فتح عيني علي عوالم ملأي بالحب والمحبين‏,‏ وأكوان تتجاور فيها الأرواح والأشباح‏,‏ وتتعانق فيها لغة الروح ولغة الجسد‏.‏
هأنذا الآن‏,‏ يعيدني إلي هذه المرحلة الغالية من العمر‏,‏ وإلي ما تلاها من تجارب وخبرات واكتشافات وأسفار‏,‏ كتاب جميل شاعر الجندول وشعره المجهول في طبعته الجديدة الأنيقة الصادرة عن دار الكتاب العربي‏,‏ تصدرته مقدمة ضافية للسفير الشاعر الراحل أحمد عبد المجيد‏(1905‏ ـ‏1980)‏ الذي عرف علي محمود طه عن قرب‏,‏ وكان واحدا من أصفيائه‏,‏ وهو يستشهد في تقديمه بكلمة للناقد الراحل أنور المعداوي ـ الذي اهتم بالكتابة النقدية التحليلية الكاشفة عن الشاعر الملاح‏,‏ وأصبحت كتاباته مرجعا أساسيا لكل من يحاول الاقتراب من شعر علي محمود طه‏,‏ فقد كان صديقه وجليسه وأقرب الناس إليه‏,‏ وهي الكلمة التي قال فيها المعداوي‏:‏ إن حياته كانت علي لسانه سلسلة من الأحاديث وكانت في شعره سلسلة من الاعترافات‏.‏
ومؤلفنا‏:‏ محمد محمود رضوان ينقل عن أنور المعداوي تصويره للمناخ النفسي والاجتماعي الذي عاشه علي محمود طه عند انتقاله إلي القاهرة بدءا من سنة‏1927‏ ليعمل فيها مهندسا ثم وكيلا لدار الكتب‏,‏ من خلال ملامح فترة الكبت والحرمان والجو الخانق في مطلع القرن العشرين في البيئة المصرية ـ خاصة في القري والأقاليم والذي يسميه جو الرومانسية الوجودية فيقول‏:‏ كان الجو الذي يعيشون فيه هو جو الرومانسية الوجودية أي جو الشعور بالوحدة والحزن والانطواء‏,‏ يعقبه جو الخلوة إلي النفس والطبيعة وهواجس الأحلام‏.‏ هذه الرومانسية الوجودية التي أصابتهم بمرض العصر في ميدان الحياة قد دفعتهم دفعا إلي جو الرومانسية الفنية في ميدان الأدب‏,‏ حتي أصبح المزاج القاتم لا يستجيب إلا للشعر القاتم‏,‏ والطبع الحزين‏,‏ لا يعجب إلا بالقصص الحزين سواء أكان ذلك في الانتاج الأدبي المقروء أم كان في الانتاج الذاتي والمترجم‏,‏ ومن هنا كان شعر علي محمود طه فيما ينظم شعر اللوعة والدمعة والحرمان والفردية‏!‏
ولم يكن الدكتور طه حسين بعيدا عن الوعي العميق بالشخصية الفنية للشاعر الملاح‏,‏ وهو يقول عنه في كتابه حديث الأربعاء‏:‏ فأما أن معرفتي لشاعرنا المهندس قد أرضتني فلأن شخصيته الفنية محببة إلي حقا‏,‏ فيها عناصر تعجبني كل الاعجاب وتكاد تفتنني وتستهويني‏,‏ فيها خفة الروح‏,‏ وعذوبة النفس‏,‏ وفيها هذه الحيرة العميقة‏,‏ الطويلة العريضة‏,‏ التي لا حد لها‏,‏ كأنها محيط لم يوجد علي الأرض‏.‏ هذه الحيرة التي تصور الشاعر ملاحا تائها حقا‏.‏
محمد محمود رضوان يحتشد لكتابه بكل ما كتبه النقاد والدارسون عن علي محمود طه وشعره‏,‏ ويقرؤه ويحلله ويناقشه ويتوقف عندما يوافق رؤيته ومنهجه منه‏,‏ وفي طليعة مراجعه ومصادره‏:‏ دواوين علي محمود طه الثمانية‏,‏ وكتاب أنور المعداوي عنه‏,‏ ودراسة نازك الملائكة عن شعره‏,‏ وكتاب سهيل ايوب الصادر في دمشق‏,‏ وكتاب الدكتور السيد تقي الدين الصادر عن المجلس الأعلي للفنون والآداب‏,‏ وكتابان لصالح جودت‏,‏ وكتاب الدكتور محمد مندور عن شعراء جماعة أبوللو‏,‏ وكتابان لإبراهيم المصري‏,‏ وكتاب لمحمد رضوان عن شعراء الحب‏.‏ فضلا عن الدوريات التي نشر فيها شعر علي محمود طه منذ قصائده الأولي حتي رحيله‏.‏
.................................................. ........

*المصدر: الأهرام ـ في 7/5/2006م.













التوقيع

اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عني

  رد مع اقتباس
قديم 08-22-2011, 05:41 PM   رقم المشاركة : 8
نبع فضي
 
الصورة الرمزية رياض محمد سليم حلايقه





  النقاط : 10
  المستوى :
  الحالة :رياض محمد سليم حلايقه غير متواجد حالياً
اخر مواضيعي
قـائـمـة الأوسـمـة
افتراضي رد: المحكمة الأدبية رقم(31 ) لعلي محمود طه

الاستاذ محمد سمير
الاستاذه شروق العوفير
ما اجمل ما كتبتما عن شاعرنا الكبير وما كتبه فاروق شوشه من رثاء جميل بديع
كل الشكر لكما
مع التقدير







  رد مع اقتباس
قديم 08-22-2011, 10:17 PM   رقم المشاركة : 9
عضو مجلس إدارة النبع
 
الصورة الرمزية شاكر السلمان





  النقاط : 10
  المستوى :
  الحالة :شاكر السلمان غير متواجد حالياً
اخر مواضيعي
قـائـمـة الأوسـمـة
افتراضي رد: المحكمة الأدبية رقم(31 ) لعلي محمود طه

ونتابع لنتعرف على الشاعر وهو خلف القضبان

تقديري












التوقيع

[SIGPIC][/SIGPIC]

  رد مع اقتباس
قديم 08-23-2011, 06:42 PM   رقم المشاركة : 10
عضو مجلس إدارة النبع
 
الصورة الرمزية سمير عودة






  النقاط : 10
  المستوى :
  الحالة :سمير عودة غير متواجد حالياً
اخر مواضيعي
 
0 مجبولة بالحزن
0 الليل دونك
0 نار الوحدة

قـائـمـة الأوسـمـة
افتراضي رد: المحكمة الأدبية رقم(31 ) لعلي محمود طه

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عمر مصلح نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة
   ألأستاذ الفاضل محمد سمير .. تحية بحجم نبلك الكبير
إلقاء الضوء على سيرة شاعر كبير رفد الوسط الأدبي بمنجز ثر ، دليل نبلك أيها الرائع .. لتذكيرنا بالعظام من شعرائنا , ولتعريف الشباب بعلم من أعلام الشعر العربي.
لك أطيب المنى.

........................
أخي عمر
شكراً على مرورك
ومشاركتك
تحياتي العطرة












التوقيع

نحنُ يا سيدتي
ندّانِ...
لا ينفصلان

https://msameer63hotmailcom.blogspot.com/
  رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
علي،طه،الجندول


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
المحكمة الأدبية رقم ( 13) للبحتري سمير عودة من قصص الشعراء،المحاكمات الأدبية 13 07-29-2011 04:52 PM
المحكمة الأدبية رقم ( 10) لـ الخنساء سمير عودة من قصص الشعراء،المحاكمات الأدبية 13 09-01-2010 10:07 PM
المحكمة الأدبية رقم ( 12) لـبشار بن برد سمير عودة من قصص الشعراء،المحاكمات الأدبية 4 09-01-2010 09:55 PM
المحكمة الأدبية رقم ( 11) للجاحظ سمير عودة من قصص الشعراء،المحاكمات الأدبية 2 08-27-2010 01:16 AM
المحكمة الأدبية رقم ( 8 ) لجرير سمير عودة من قصص الشعراء،المحاكمات الأدبية 2 08-27-2010 01:10 AM


الساعة الآن 09:35 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.9 Beta 3
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.
:: توب لاين لخدمات المواقع ::