قال الرسول صلى الله عليه وسلم (( ما من يومٍ يُصبِح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدُهما : اللهمَّ أعطِ منفقاً خلفاً ويقول الآخر : اللهم أعطِ ممسكاًَ تلفا ) صحيح أخرجه البخاري 1442 وصحيح مسلم / ج 7 / ص 83 رقم 548 ورياض الصالحين رقم 246
هذا الحديث الشريف في مضمونه حث على الإنفاق مما أعطى الله سبحانه وتعالى من بركات نعمائه .
والصورة الظاهرة للعيان كما يقول الرسول الصادق الأمين أن هنالك ملكان ينزلان كلما أصبح صباح ، أحدهم يدعو بالخير للمنفق ( اللهم أعط منفقا خلفا )، والآخر يدعو على من أنعم الله عليه وحجب نعمته عن المحتاجين بأن يبدد الله نعمته ( اللهم أعط ممسكا تلفا ).
والحديث الشريف على مستوى رفيع من البلاغة ، ونسيج صورته الكلية اجتمعت عليها مزايا تتعلق بالمستوى الصوتي ،بما فيه من تداعي الحروف ، والجناس ، والطباق ، والتكرار1 .والترصيع2 . ومزايا تتعلق بالجانب التركيبي .
فالحديث النبوي الشريف في جزئه الأول جاء بأسلوب الخبر من خلال القصر ( ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان ) . وقد عرف صلى الله عليه وسلم في نقل الصورة المتضمنة معنى واسع بوضعها بين النفي والاستثناء توكيدا ،وتكثيفا ،وحصرا بين جملة منفية تقابلها جملة مثبتة ، المقصور( يوم ) مسبوق ب (من) الزائدة للتوكيد لتستغرق جنس (يوم) النكرة ، وبهذا يكون المقصور كل أيام الدهر ،والمقصور عليه (ملكان ينزلان ) في كل يوم وهو جملة اسمية ؛ صورة فنية لحركة النزول الممتدة من السماء إلى الأرض تصورها ألف المد في (ملكان ) و (ينزلان ) .
أما المقطع الثاني فهو أسلوب الإنشاء المبدوء بالدعاء ( اللهم أعط منفقا خلفا ) ( اللهم أعط ممسكا تلفا ) الذي كان بين النداء، والأمر المجازي. أما المستوى الصوتي؛ وهو الجوهر الذي يقوم به التقطيع، وبه يوجد التأليف (3)فقد كان الحديث الشريف حافلا بالإيقاع والتنغيم ؛ وقد كان لجرس الألفاظ أثر كبير في إيضاح الصورة وتجليها من خلال التناغم الذي حصل في توالي حرف الميم إحدى عشرة مرة، واللام اثنتي عشرة مرة، وتعاقب النون، وألف المد ست مرات يقول القاضي الجرجاني ( وإنما الكلام أصوات محلها من الأسماع محل النواظر من الأبصار ) (4) ولاشك أن التكرار قد ساهم من خلال اللمحة السردية القصصية إلى تثبيت المضمون في نفس المتلقي، وتمكنه من خلال المقابلة، والتضاد بين الملك الأول، والملك الآخر ( يقول احدهما ) (يقول الآخر ) ( اللهم أعط) فالتكرار هنا وثيق الارتباط بالمعنى العام ( 5 ). ثم لننظر إلى الترصيع**، والجناس في أسماء الفاعلين (منفقا )، و ( ممسكا ) الدالين على الحدث، والحدوث في تجددهما بهذا التوازي، والمشاكلة وهما مفعول به أول ، الجناس الناقص ( خلفا ، تلفا ) وهما مفعول به ثان ؛ وكل هذا قد أشرب في الطباق المتقابل مع ضده (منفقا خلفا) (ممسكا تلفا) الذي أضفى على الصورة ألوانا تداخلت مع نغم الألفاظ، وتماهت في ثنايا مضامينها من خلال حركة الألفاظ التي نزل إيقاعها مباشرة في آلة خطية باتجاه الشعور لتتعامل مع القلب والوجدان . نستنتج من كل ذلك أن مضمون الحديث السامي تآزرت على تصويره كليا مزايا تتعلق بالمستوى التركيبي والمستوى الصوتي .
محفوظ فرج إبراهيم / سامراء 1431هـ من الدروس التطبيقية في تحليل النص الأدبي
1ـ التكرار هو تناوب الألفاظ ،وإعادتها في سياق التعبير بحيث تشكل نغما موسيقيا في الشعر، أو النثر / جرس الألفاظ ودلالتها في البحث البلاغي والنقدي عند العرب د. ماهر مهدي هلال دار الحرية للطباعة بغداد 1980م ص239 2 ـ الترصيع وهو أن تأتي الألفاظ متوازية، ومتفقة، أو تكون متقاربة بعضها مع بعض / جواهر البلاغة أحمد الهاشمي مؤسسة الصادق للطباعة طهران 1421هـ ص 352 3 ـ البيان والتبيين ج1 ص 79 وينظر جرس الألفاظ ص 13 )
4ـ الوساطة بين المتنبي وخصومه القاضي علي بن عبد العزيز الجرجاني ت محمد أبو الفضل إبراهيم وعلي محمد البجاوي الطبعة الثانية ص 412 5 ـ قضايا الشعر المعاصر، نازك الملائكة، منشورات مكتبة النهضة، بغداد ، الطبعة الثالثة 1997م ص231