عرض مشاركة واحدة
قديم 01-16-2011, 05:35 PM   رقم المشاركة : 1
أديب
 
الصورة الرمزية عيسى بن محمود





  النقاط : 10
  المستوى :
  الحالة :عيسى بن محمود غير متواجد حالياً
اخر مواضيعي
افتراضي تونس هل يستجيب القدر؟




لا أزعم أني حين كتبت نبوءة بغليان شعبي يزيح فخامته عن الحكم ، كنت أتوقع أن يحدث ذلك بتونس.
الحقيقة أني في قصة المفدى المنشورة بمجموعتي القصصية : رحيل الصادرة عن منشورات الإختلاف سنة 2007 قد تناولت فيها تصاعدا سريعا لإنتفاضة شعبية ، الوقت الذي يواصل الحاكم الإنغماس في الفساد ، و يأتي فيها قبل البيان الإخير الطلب من الرئيس مغادرة البلاد قبل استيلاء المتظاهرين على المطار ، ليعلن البيان عن الإنتصار العظيم لإرادة الشعب ،
قلت أني لا أزعم أني كنت أقصد هذا البلد المجاور و الذي أحالتنا إرادة شعبه إلى الخجل مــــــن إمساك القلم لإبداء أي موقف مهما كان ، الوقت الذي يسطر هو طريقه نحو الكرامة بالدماء و التضحيات التي خلنا أنها ولت منذ زمن ، فإذا بها تعيد صناعة التاريخ في بداية العام الجديد ، لكن كنت أتوقع لأي نظام عربي مماثل هذا السقوط السريع ، بل و كنت أتمنى ذلك.
اذن ما الذي حدث تحديدا؟
- حي على الإحتجاج:
تزامنت أو كادت الحركة الإجتماعية على غلاء المعيشة و انعدام فرص العمل في تونس و الجزائر ، و لكون هاته الحركة في الجزائر لم تدم طويلا فسأتوقف عندها قليلا لأعرج إلى تونس.
جاءت أحداث الجزائر سريعة منطلقة من الأحياء الشعبية بالعاصمة غداة الإرتفاع الرهيب لأسعار مواد إستهلاكية إذ بلغت الزيادة في كلغ السكر 45 دج في سوق الجملة و بلغت الزيادة في كلغ البن 80 دج ، مما عجل بإندلاع إحتجاجات تحولت سريعا إلى أعمال نهب و إتلاف للأملاك العمومية بالخصوص من طرف شباب تتراوح أعمارهم بين 14 و 24 سنة ،
و رغم أن هشيم الإحتجاج تسارعت وتيرته لتبلغ 18 ولاية ، إلا أن أسبابا جوهرية عجلت بإجهاض الإحتجاج نجملها في :
- عدم وصول الإحتقان إلى نقطة اللاعودة مما جعل من الأحداث مجرد إجهاض لحركة إجتماعية يمكنها تحقيق أهداف إجتماعية و سياسية.
- إسراع الحكومة إلى إستخدام ما سمي بالبحبوحة المالية للميزانية رغم أنها لم تصل درجة البحبوحة بعد لإعادة الهدوء و الطمأنينة.
عدم إشتراك شرائح المواطنين من أعمار أكثر نضجا بسبب سرعة تحول الإحتجاج إلى مجرد أعمال سرقة و نهب و تخريب.
عدم تأطير الإحتجاج من طرف أحزاب أو جمعيات أو إتحادات مهنية أو شبابية أو نقابية.
عدم تخلص الذاكرة الجماعية الجزائرية من أثار العشرية السوداء نفسيا و إجتماعيا و سياسيا.
الخشية من الإلتفاف على نتائج الإحتجاجات مثلما حدث في أكتوبر 1988.
ظهور بوادر تنمية بعد عودة الإستقرار لا سيما ما تعلق منها بالمنشآت و الهياكل .
وجود هامش حريات فردية و إن لم تواكبها حرية إعلام غير أنها تمارس في الواقع اليومي .
كل هاته الأسباب جعلت الحركة الإحتجاجية تزول سريعا حتى و إن حاولت في يومها الأخير بعض الأحزاب المعتمدة كجبهة القوى الإشتراكية و المحلة كالجبهة الإسلامية ركوب التيار، دون التأكد أحصانا هو أم أتانا.
تونس : وعد مع القدر
رغم تقارب التكوينة الإجتماعية لتونس و الجزائر إلا أن كثيرا من المعطيات جاءت مغايرة تماما ، مما حول الحركة الإحتجاجية في تونس إلى انتفاضة ترقى لمرتبة الثورة و التي نورد بعضها كما يلي:
السلطة المطلقة التي جسدها الرئيس المزاح زين العابدين بن علي طيلة فترة حكمه.
تفشي الفساد و تجاوز مرحلة إكتساب المناعة من القانون إلى مرحلة الهجوم الشرس على الملكيات العامة و الخاصة و ما لحق بها من حقوق.
تحويل تونس إلى مجرد فضاء سياحي كبير لصالح الغرب ، دون أن يرافق ذلك تكفل إجتماعي بالفئات المعوزة.
تموقع رجال السلطة الحاكمة بعيدا عن الشعب سكنا و معاشا و تواجدا.
انتشار الوعي و الإستفادة من الفضاء الاليكتروني.
كل هاته الأسباب مجتمعة و غيرها أسهمت في تفعيل الحركة الإحتجاجية التي استفادت من :
التحاق مبكر لفئة المحامين و النقابات مما عزز من وضوح الرؤية.
استغلال التواصل بالإمكانيات الحديثة مما يجعل المعلومة المراد تداولها تسري في الوقت المناسب.
انطلاق الإحتجاجات في الجزائر كسند غير مباشر يعزز من صمود المحتجين بدعوى عموم الحركة في باقي الدول العربية .
الإستعمال المفرط للقوة من طرف قوات الأمن مما يوجب رد الفعل على الصمود و كسب المتخلفين على الحركة بتعدي الضرر.
حيادية الجيش التونسي البالغ تعداده 35000 جندي.
و من خلال توسع الإنتفاضة إلى مجمل المدن و محاولة الأحزاب السياسية اللحاق بالتيار ، كانت قد وصلت إلى نقطة الإرتكاز بكسرها حاجز الخوف و بلوغ نقطة اللاعودة ، و قد جاءت عوامل خارجية مساندة بطريقة غير مباشرة منها:
عدم وجود اهتمام أمريكي بالأحداث لكون البلد المعني غير بترولي ولا تخوف من اسلاموية به.
عدم تبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود لفرنسا و التي وجدت نفسها في وضعية المتابع بعد أن تجاوزتها الأحداث.
إكتفاء دول الجوار بالإنكفاء على نفسها.
تمكن الجالية التونسية في الخارج على ارباك الدول المقيمة بها.
التغطية الإعلامية للقنوات الحرة.
اللحظات ما قبل الحسم:
بعد محاولة إسكات المتظاهرين بقوة القمع و تذبذب الخطابات الرسمية يطل الرجل الأول في النظام على شعبه بمفارقات مخزية من بينها أنه تم تغليطه و أنه الآن فهم ما يريده الشعب ، و هي العبارة التي و ان تشابه فيها الرجلان في الرتبة لم يتشابها بها في السياق ، و أقصد هنا ورودها على فم الجنرال ديغول للشعب الجزائري، أي من المستعمر إلى شعب يريد العيش حرا مستقلا، أما ورودها من طرف الجنرال بن علي فهي لشعب حكمه طيلة 23 سنة ، فهل تأخر فهمه كل هاته الفترة لما يريده هذا الشعب؟
هل يعقل أن تحكم شعبا لا تفهمه و لا تعرف تطلعاته و معاناته و إرادته مددا لتطل عليه بالقول:
قتلكم أنا فهمتكم أي نعم أنا فهمتكم ؟؟
هل استجاب القدر؟:
رغم ما شاب و لا يزال الإنتصار من صعوبات بدءا بمحاولات الإلتفاف وما أكثرها إلى محاولة التشويه و استعمال سياسة الأرض المحروقة بقولهم : علي و على أعدائي مثلما فعل لاواس تجاه الشعب الجزائري تماما ، فإن النجاح قاب قوسين أو أقرب إلى التحقيق النهائي الذي لا رجعة بعده ، فهل تكون الأحزاب السياسية في مستوى تولي مسؤولياتها و المحافظة على انجاز شعبها دون الإسراع إلى تقاسم الفتات؟
إن الذي قالته ثورة تونس ثورة الكرامة و التي أتت مفاجئة لكل المتتبعين أن زمن : جوع كلبك يتبعك قد انقضى و أن عهد إنطلاق الثورات قد آن دون التأطير المسبق ، بل يكفي متابعة مسارها اليومي فحسب.
و لقد كان السقف الذي يريد شباب الإنتفاضة الوصول إليه أعلى مما كانت تصبوا إليه الأحزاب و العرب العاربة و المستعربة و العالم.
قديما قال ميشيل عفلق عن الثورة الجزائرية انها مفاجأة العروبة لنفسها ، واليوم أضحت ثورة الكرامة في تونس مفاجأة الشباب لنفسه و أمته و العالم ، و ليس ذلك بعزيز على شعب قال قائلهم :
إذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر
و آخر سؤال جوهري يمكن طرحه الآن : أي دستور يمكن الإحتكام إليه ، و كل تخريجات مواده لا تنص على شغور منصب الرئاسة بفعل ثورة؟
إن التنحي ليس نفسه التنحية و لعل النحاة يفرقون جيدا بين الفاعل و المفعول به و المفعول معه و المفعول لأجله و نائب الفاعل، فهل تشابه الأمر؟
بكل تحفظ و بكل حب أرى أن لا دستورية الثورة تتطلب لا دستورية الحل ، الذي أخاله في حالة تونس تحديدا وجوب تحكم الجيش في زمام السلطة حتى يستتب الأمن و من ثم إعادة تشكيل الخريطة السياسية و تنظيم إنتخابات رئاسية بعد سنة أو تزيد يسبقها مجلس تأسيسي.






  رد مع اقتباس