قبل فوات الأوان
صداقة حميمة . ودنو لحد التوحد, امتدت عبر جسور الزمن. لا شابتها فرقة ولا ملل ولا ٳنسل لعراها فصام أو نهشها صدأ . علاقة لا يحتاج تبيان لأسس قيامها ومتانة وشائجها . تبادل عطاء, ٳخوّة ساخنة , و.....
طالعت بهدوء وملاحظة أخبار البالين والقائمين ، لم أجد ثمة تلاحم مصيري كالذي عرفته بين أعضاء الجسد الواحد . لذا بات من السذاجة بمكان ٳطراء حادثة خيانة عضو بأشقائه الجيران .
اليـوم حلّت الفاجعة ....
ٳحتدم الكلام على أشده . وتهتكت أسرار كانت مدفونة خلف واجهات الود . ثمة أعضاء ســوّل لهم شيطان الأنا وعـدّوا أنفسهم أصحاب أرجحية في هذا الجسد .تنامت المكيدة التي خطط لها القلب في الظلام . عاضده آخرون بخبث مكتوم . الهيكل العظمي تشمم فيهم رائحة نـذالة ، ورصد لهم سلوك أرعن غير مرة .بعد وقت ليس بالطويل ، أفصحـوا عما يريدون بثرثرة خائفة . أنهم قرروا اﻹنسلاخ عن الهيكل العظمي .
القرار صعق حتى أصحابه . وصدع الجماجم وكتم الأنفاس وأفضى عن حالة ٳرباك بين صفوف العائلة . ٳستشاط العقل غيظاً . شـب واقفـاً بحياد يوعظ ويحــذر .
- المرء كثير بأخيه . ستصبحون في غياب الهيكل تفالة شعير أو حثالة تمر. البنيان المرصوص . العصي المتجمعة . وكذا ، وكذا وما زال يسوق لهم الأمثال ويبالغ في النصيحة ، فلم يثني القوم عن مبتغاهم . الهيكل العظمي راى في السكوت مضيعة . ٳعتلى الأعواد وجهــر القول .
- أيها الأشقاء . ٳعلموا أن ما نلته من قوة فبمؤاخاتكم . وٳنتصبت سوقي بماء جذوركم . لن أنكر لكم هذا . لكن ، كيف لكم أن تستقيموا من دوني ، وتطلقوا الحركة ، وتحملوا الأثقال ، وتشاقوا العراك ، وتخبّوا نفائسكم ؟ صدقوني ، لم أندم يوماً على ما أفنيت ﻹجلكم . فتقوست عظامي . وأصابني من الوهن ما أصابني . ٳستفيقـوا أيها الواهمون .
أعضاء لا تملك حول ولا قوة ٳلاّ مع العظام ، أجهشت بالبكاء . آخـرون تأسفوا فقط لرحيل جار عنهم . ومنهم من هتف بوجع .
- لن نسمح بذلك ..... ٳنها خيانة عظمى .
القلب تمظهر بأنفة ولا مبالاة مشروخـة قائـلاً :
- قد رغبنا عن ٳخوّتك . ولا حاجة بنا إليك . سنعتزل دونما نـدم وننسى مرارة الفطام بحـلاوة الرضاع . لن يثنينا هذا الزعيق عن اﻹنسلاخ ، وبلا عـودة إليك يا هيكل .
في ساعة غلت فيها المشاعر لحد الخراب . غلف الجزع الجميع . وبصلافة جوفاء بـدءوا ٳفتراقهم عن الهيكل . وقف الهيكل جانباً يودع آخر قطرات دم ٳلتصقت بعظامه عشقاً ، ونتف لحم تعلقت ٳبوّتاً .
على مقربة منه . تلوّت شرائح اللحم تبحث بلا جـدوى عن كيفية الوقوف , الصراخ بـدأ يتلاشى . القلب بعد أن خســر رهانه . وتمرغت أنفته بدماء متخثرة . خانته الحبال بالتوائها . ٳلتفت َ، بندم ثقيل ، نحـو الهيكل ليقول كلمة ٳعتـذار ﻹخ أكبر ، لكنها محاولة جـاءت بعد فوات الأوان. فالعواسل تقاطــرت صـوب المكان تشد ٳنـوفها رائحة الدم .............