الرحيل المرّ
19-6-2013
وجوه صامتة يكسوها الذهول ومثابات منها متناثر ومنها متراص كتبت عليها اسماء,رؤى تتداعى
عبر تقاطعات مبهمه,كل ما حولي يكاد يكون خاوٍ من الملامح,عويل هناك ونحيب مبحوح وبكاء
خافت واخرون يتمتمون بتعويذه ومنهم من يقرأ سورة,هو اخر الراحلين من اخوتي بعد ابي وامي
لم استوعب ان يكون عظاما رميم تأكلها الديدان,اشجار هنا وهناك زرعها احياء يعطوها معنى حب
الخلود,ازهار الوانها ماء عقيمة الثمر,رباه كم امقت ذاك الرجل النحيل وهو ينتزع التراب بهمة عاليه
فهو يفكر قد تزيد اجرته او يأخذ ما يطلب...اعتاد دس الاجساد في اللحد واهالة التراب عليهم..فقد الاحساس
بالوداع المرّ..مهنة قاسية..قليل من يجيدها..وجهه خالي الملامح متربة حاجباه من التراب المتطاير
,كم حفرة حفر هذا اليوم ونحن اخر القادمين,فعندما يحل المساء تقفل المقابر..اذناه لاتسمع نحيب وعيونه
لا ترى دموع ,وقلبه ساكن لا تسرع دقاته لنجوى يتيم ونواح ثكلى.....................
كنت اقف قبالة الحفره وهم ينزلون الجسد الصامت اليها,يختلط نواح ارملته مع نجوى ايتامه
مع دموع صامتة يبتلعها فمي..اسئلة غريبة تدور في ذهني المشوش بوجع الفراق,اتلك حتمية العدم
الملازمة للحياة,جدليه معقدة ,ممتلئة فارغه,بون شاسع بين الصرخة الاولى والشهقة الاخيرة
وما بينهما,تولد مع الاولى البرائة,وترحل مع الثانية الخطايا,تورق البرائة لتموت رويدا رويدا مع
اقتراب ولادة الخطايا,كلنا خطائون..ولسنا ملائكة,ايقظني من اغفاءتي قاريء القرأن الكريم ,لينتهي
بالدعاء والاهالة للتراب ..ذهول الفراق انظر بعين مشدوهه واعجز من فحوى الوداع,فرقة اوهنت كاهلي
وارهقت ظهري واتعبت قلبي,وانا ادير ظهري على بعد خطوات تسمرت قدماي غائرة في التراب الرخو,
التفت للوراء..كومة تراب علت قليلا عن الارض واطفال صغار يرشون الماء عليه ,هم يعتاشون
على الموتى يحملون بأيديهم قناني الماء كنت قد اعطيتهم ما جادت به النفس ليبللو القبر حتى لا تطمسه
الرياح لحين بناءه,في يديه مفكره يسألني ..اسمه الرباعي لقبه..كيف تكون لوحته..علو قبره..لا ادري
كيف اجبته..اسعفني بالاحابه قريب لي...كنت مشدوها...لا ينطق احدا اسمه...تسبق كل ذكره كلمة المرحوم,
المرحوم اسمه..المرحوم لقبه,,المرحوم..المرحوم,قبل يومين زارني حينها طلبت منه المبيت.
.رفض..قلت له ..اشتاق ان نسهر معا..لنتذكر شيء من طفولتنا..ابتسم ..اجابني.
.سأذهب لاختنا قد تشعر بالاحراج امام زوجها ونحن لم نتفقدها
منذ زمن...اجبته ..يا اخي دعك من هذا فقبل يومين كنا معا...وكعادته ضحك ضحكته المميزه...اشتقت اليها
ومن ثم سأمر على خالي.....لا ادري..لم اطلب يوما منه المبيت فداره لا تبعد عني الا قليلا..ولم
يتعود ان يزورنا مجتمعا....هناك ظاهرة لا يعلمها الا الله في الاحساس في الفقدان...
قبل فترة صحبته للمقبرة فقد اشتريت ارض للعائلة حتى نجتمع في مثوانا الاخير وكان اولهم فيها حفيدي توفى بعد الولادة
في البداية رفض..ولكني احرجته بأن هناك بقايا مبلغ يجب دفعه...وقف امام الارض...قال لي ..هنا واريني
ابتسمت ..وقلت له...انا اكبر منك...فأحرص عليّ عند سكني بها,ابتسم ابتسامة غامضة ..
عند عودتنا..حرصت ان يكون ابنه الصغير معي..فقد كان يصطحبه معه دائما فأختلطت رائحتهما
ضممته اليّ...وكنت استمتع برائحته الراحله
-----قصي المحمود------