زوار الليل
من عادتهم أنهم لا يأتون إلا بعد منتصف الليل ، ولا يتمنى أحد من الناس زيارتهم لأنها تحمل الأذى والشر ، وحين يسمع الناس هدير سياراتهم يأخذون في التمتمة بالدعاء عليهم بالويل والثبور ، أو طلب اللعنة المتواصلة
وهذا ما جرى مع أم صراع
قدموا والتفوا حول البيت الريفي الذي تقطنه مع أسرتها التي جاهدت طوال حياتها أن تكون أسرة نموذجية في الدراسة والعلم والأخلاق ... تقدم واحد منهم ووضع إصبعه على كبسة الجرس الكهربائي وأطال الضغط عليها ناسيا آداب الاستئذان ، أو أنه لم يتعلمها أصلا ، وبقي يضغط إلى أن سمع صوتا أنثويا
ــ من ؟ خيرا إن شاء الله
ــ افتحي .... نحن
ـــ ومن أنتم ؟
ــ الأمن القومي
وأخذت تمتم : شيء بيـ ...ري .....منتصف الليالي ! وأمن ! وقومي !
فتحت الباب وتخيلت قصة جدتها التي كانت ترويها لها عن الضباع الجائعة التي كانت تهاجم القطعان قائلة :
ـــ من تريدون ؟
ـــ تمام .. أين تمام ؟
كان تمام يسمع الحوار منذ أول رنة في جرس الباب وأدرك أنه هو المطلوب لأن إخوته لا زالوا صغارا ,وأخوه الكبير مسافر خارج البلد و طالما طلبوه في مرات سابقة لذلك فقد ارتدى ثيابه وجهز نفسه
ـــ نعم ... أنا تمام
تقدم منه ثلاثة ، وأمسكوه بيديه ورموه في صندوق السيارة الخلفي ، حيث انطلقت بسرعة جنونية
كان تمام يحاول قراءة هذه الوجوه المتجهمة ، وقاربت أن ترتسم على وجهه ابتسامة ما حينما خطر بباله أن هذه الوجوه يمكن أن تكون مصنوعة من بقايا روث بقرات جيرانه
أدخلوه غرفة خالية من الأثاث ، وأخذ يتحرك فيها جيئة وذهابا وطال انتظاره فجلس على الأرض
فهو يعرف لماذا يستخدمون معه هذه الأساليب
وأخيرا فتح الباب صاحب جثة ضخمة وبصوت أجش ذكره بصوت المخلوق الذي يربيه أحد جيرانهم
ـــ تعال
انطلق خلفه وافترت شفتاه حينما تذكر خرافة يرويها أبناء القرى أن الضبع يبول على ذيله فيضبع الإنسان ويجعله بذلك أسيرا له يسير خلفه بتلقائية عجيبة
أدخله غرفة وقال بعد أن ضرب الأرض بحذائه محييا سيده :
ــ تمام سيدي
كان يتصفح جريدة أو أنه يحل الكلمات المتقاطعة فيها وبعد عدة دقائق طوى الصحيفة بهدوء ونظر بحدة إلى تمام الواقف أمامه
ــ تمام / لأول مرة يتخيل تمام أن افعى تفح باسمه / احك لنا عن أسماء رفقائك الذين يعملون على إضعاف الشعور القومي في البلد
ـــ والله لا أعرف أي واحد يفعل ذلك
ترنح أيمن وغام المنظر أمامه وشعر بسخونة الدم النازف من أنفه ، وألم شديد حول عينه
وبعد فترة ظنها قصيرة أفاق على ظلام دامس ، تحسس المكان فادرك أنها زنزانة كما وصفها له أحد أصحابه وشعر أن جميع بغال القرية التي تستخدم في الحراثة قد رفسته
انتظرت أم صراع مدة تجاوزت خمسة عشر يوما حتى أخذت تسأل عن مكان ابنها فهي تعلم أن أحدا لا يخبرها إلا بعد انقضاء مدة التحقيق
دلوها على المكان وحين وصلت قال لها الحارث : انتظري
انتظرت مدة تقدر بالساعات في لظى حر الصيف ، وأخيرا أتى رجل وأشار إليها أن اتبعيني
سارت في ممرات يسودها الصمت إلى أن دخلت غرفة
نظر الجالس وراء طاولته وقال :
ـــ أم تمام ؟
ـــ لا أم صراع .. ألا تعرف أن مجتمعنا يسمي الأم باسم الولد الأول ؟!
ـــ نعم نعم .. ابنك ورفقاؤه يضعفون الشعور القومي
ـــ قالت ساخرة :ولماذا لا تخترعون ( فياجرا ) لتقوية هذا الشعور ؟ .. كنت أظن أنه أوصل للعدو مخططاتكم العسكرية التي وضعتموها لتحرير الوطن كي يتأكد ذلك العدو من صدق المخططات التي سلمتوه إياها
ـــ بدا الضيق والغضب على وجهه وقال بكثير من الحدة : وماذا تريدين ؟
ــ أم تسأل عن ابنها الغائب ماذا تريد ؟ أريد الاطمئنان عليه
ابتسم مبديا صفا من الأسنان الصدئة ونفخ دخان سيجارته في وجهها وقال :
ــ بشرط
ــ ما هو ؟
ـــ أن تقولي لابنك أن يخبرنا بأسماء رفقائه
تذكرت قصص الذكاء التي تروى عن الثعالب وقالت في سرها وهي تحدق في وجهه : لم أر في حياتي أو أسمع عن ثعلب غبي غير هذا
ـــ إن شاء الله
دخل تمام شاحب الوجه ، أشعث الشعر ، نحيف الجسم ، يبدو أنه فقد من وزنه أرطالا ، على وجهه بقع زرقاء داكنة ضمته إلى صدرها تقبله وتشمشمه وتهمس في أذنه : لا تعترف
ـــ متى ستنتهي مشاعر الأمومة الفياضة ... قالها بسخرية مقيته
ـــ هيا نفذي ما اتفقنا عليه
ـــ علام اتفقنا ؟
ــ أن تقولي لولدك .......
ــ قلت لك إن شاء الله وكما أرى فإن الله لم يشأ بعد
نقلت نظرها في وجه الرجل الممتقع ، ثم ثبتت نظرها في وجه ابنها
ـــ أيمن ... لست ولدي ... ولم أحملك تسعة أشهر في بطني قريبا من فؤادي ....
/ بدا على وجه رجل الأمن شيء من الارتياح الأبله /
.... وستغضب عليك عظامي في القبر إن اعترفت باسم أحد من أصحابك
وقفت تحاول الخروج ونظرت بسخرية شديدة إلى رجل الأمن
ــ هذا ما شاء الله لي أن أقوله .... افعلوا به ما شئتم
وقف كالثور الهائج وضرب الطاولة أمامه بجمع يده وهو يصرخ
اخرجيييييييييييييييييييييييييي
القصة واقعية والشخصيات حقيقية
رمزت إبراهيم عليا