قبعة حميد المختار شعريا
نموذج القراءة قصيدة علي الأمارة
وجدان عبدالعزيز
حينما حضر الشاي في إناء فضي ورائحة الخبز تقدمته كنت قد وضعت ساقي المتعبتين تحتي ، ومددت يدي فلامستْ شفتي الورقة البيضاء بين هذه اللحظة وتلك سبح طائر القلق ودفع عربة ترددي وحيرتي بين لحظة الخبز الزمنية الموصولة وبين اللحظة الشعرية اللازمنية التي تمسك لا مرئيا بنوازع الرحيل البعيد ، لتذعن أمام جمالية الاكتشاف .. لذة الخبز ولذة المعنى ... وفي هذه اللحظة اكتشفت توا أن الشاعر يستيقظ مندهشا أمام الحسي ، فتأخذه المجالات ، ليحاول ألامساك هذه المرة ، حتى تتداخل الأشياء أمامه مشكلة لوحة لا يكتمل نصابها الجمالي ، حتى يمل وبالتالي يقنع نفسه أنها اكتملت لتأخذه لحظة شعرية أخرى ...
ولازالت عربة حيرتي تشق الحيز بين رائحة الخبز ورائحة المعنى ، مثلما عربة الشاعر تدفعه بين حيز اللاوعي ووعي الإمساك باللحظة من خلال لغة تحاول أن تعبر عن إرهاصاته وتبلور أفكاره تجاه مواقف الحياة ...
من هذا وأنا أتربع على ساقي في عربة الحيرة دخلت في موجة من الأسئلة هل ابرر لماذا قبعة حميد المختار شعريا في إرهاصات شاعرية علي الامارة ؟ وهو يحاول مزج ألوان الأشياء المرئية واللامرئية !!
ونحن نعلم بدربة ومرانية الشاعر على الأوزان الخليلية ولا نشك فيها ، لكنما جعلنا الآن إما تبرير جديد وهو ينزل في مزاوجة الكلمات خالقا موسيقى بديلة اعتمدت علاقة لا مرئية بين (جبل قاسيون) و(جبل العشق) حيث بدأ علي الأمارة بالتقاط صورة تبلورت وتوضحت في مساحة لوحته الشعرية كصورة حية تتحرك هو حميد المختار بقبعته ... القبعة ، لكنما الظاهر انها حملت معاني آخر أغرت الأمارة في عشق ملون تحول إلى لوحة شعرية متحركة في مساحات جمالية يقول :
(السفر ..
حزام اخضر
يحصن القلب من غبار الوقت ...)
استهلال مبرر ثم يقول :
(وقبعتك الحميمة
تشبه جبل قاسيون)
تشبيه يفارقه ب..
(اصعد ...
جبل العشق
بصبايا الشموس
وسلام الحروف)
جاءت النتيجة باللاوعي متلائمة مع صاحب القبعة والشاعر كون وسيلة صعودهما لأثمار المعاني الدانية القطوف هي الحروف لبلورة الأفكار...
وأنا قلت بمقال سابق أن التجربة تولد الهدوء ، لذا فان علي الامارة يخاطب صاحب القبعة بهدوء صامت ينم عن تجربة ..
(بصمت بليغ
وبفصاحة حجر كريم
تغوي الصباحات والأزقة)
صورة (بفصاحة حجر كريم) قل نظيرها في التقرب من المناطق البوحية أو مناطق البث المتبادل بين حميد المختار وعلي الأمارة ، بهذه الكلمات القليلة توالدت المعاني وبإغراءات متعددة جعلني كمتلقي اختار الأكثر اغراءا في حدائق الشعر ، لان الشاعر يقر بعيني المختار الملونتين لكن يختار لهما لونا حلميا إضافة إلى لونهما الأخضر كي يقترب من اكتمال لوحته كقوله :
(وعيناك الملونتان بالحلم
تقتنصان غزالة الوقت
بشباك الحكمة
أيها الصاعد إلى الجبل
تمتع ...
بالهواء الطلق)
إذن هي عين ليست كالعين العادية والصعود مرتبة عليا وهو صعود طوعي للشاعر أولا ثم للمخاطب ثانيا وترفع عن ..
(فساد الأقبية
وسراديب الانتظار)
ليؤسس بين عولمة شعرية وأخرى سردية حصيلتها أننا ..
نكتشف ما يريد قوله لحميد المختار ، بان رأسك الذي يعتمر القبعة ظاهريا يعتمر الحكمة باطنيا ، ثم بعد ذلك يؤاخي بين الحكمة كقمة جبل وبين سفوح الحياة المعشوشبة بالخضرة وكل هذا بمساحة تساوي وجه يبحث عن الحقيقة في خطوط الصعود والهبوط خطوط الواقع تقابلها خطوط حلمية شعرية تخلق حالة قلق التماهي بين المرئي واللامرئي ..
وقبل أن ارضي فضولية الجوع بالخبز والشاي رحت اطوي المسافات ، لأجد جملة المسالك قد تحولت إلى نوافذ للرؤى تثير أسئلة متوالدة تبقي على مناطق البث مفتوحة في إرسال الإشارات لتحريك الذهن في التأويل كلما تعددت القراءة مساءا وصباحا سواء في الحزن أو الفرح تحت قطيرات المطر أو قطيرات ندى سقطت توا من أوراق الشجر ، لكن تبقى القراءة على حذر في الخروج من النص بمعنى يقرب الرؤية من الأعماق كي نتذوق لذة المعنى بعدما تذوقنا لذة الخبز في إسكات غائلة الجوع ، ولان (لايمكن لأي قراءة أن تكون نهائية) إذن حصيلتنا أن نبقى قراء نبحث في النصوص القابلة لأكثر من قراءة .. والحقيقة قصيدة (قبعة .. حميد المختار) خلقت إشكالية الزحف على الحدود بين الأجناس الأدبية جعلت الشاعر علي الأمارة يختار القاص حميد المختار ليعالج موضوعة هي موضوعة قصصية بجعلها موضوعة شعرية تناسقت بلوحة جمالية بحثت قضية الحكمة .. أي انه خلق متخيلات شعرية من جهة ورؤى وموقف وتنظير من جهة أخرى مكانها هو السرد .
/ قصيدة (قبعة ... حميد المختار) الشاعر علي الأمارة