تلك الصالحية العظيمة .. فلذة كبد قاسيون ، تنشر جناحيها للنور كنسر ذهبي ، ترنو برأسها نحو النجوم الذابلات في ليلها الشاعري ، و ترسم في السماء بروجاً لازوردية تزين آفاق الوجود .. كل الوجود .
تسمي الأشياء بأسمائها ، تسمو بالعذوبة في صدور الحائرين ، تدفع بالإشراق إلى الأحداق الغافية ، و بالحياة إلى الشفاه الظامئة .
تتآكل الأحزان عنها و تكبر القلوب ، و ترسم الأرصفة العتيقة درباً للحب يبدأ من الصالحية و ينتهي في الخلود .
و مع مواكبها الغفيرة ترتفع الأذكار من المساجد الأيوبية بحجارتها الصقيلة نحو الملأ الأعلى بصوت ملؤه الخشوع : الله أكبر.. الله أكبر .. لا إله إلا الله ... محمد رسول الله .
تبقى الصالحية جبل النور و الصلاح ، فهي من مهدت الطريق يوماًً لآلاف العلماء و العباد و المحدثين والأولياء ، لذلك لا يمكن لها أن تحس القبح فلا تلفظه ، أو الشر فلا تحترس منه ، أو السوء فلا تزلزل الأرض من تحته .
و لأنها كانت منذ الأزل نوراً ، و ستبقى إلى الأبد رمزاً ، فلا قلب فيها سينبض بغير الإيمان و العروبة و حب الوطن ، و لا جبهة من جباه أبنائها ستسجد إلا لرب العزة مهما يكن من أمر ، و لا يد من أيديهم سترفع غير علم سورية الجليل ليرفرف في سمائها .
أيتها الصالحية المجيدة ...
طبتِ نفساً .. و حيِّيتِ أهلاً .. و سلمت تراباًَ .
و لتبقين كما كنت دوماً ، محراب الصلاة ، و قرطاس الهدى ، و نبراس التقى ، و جبل الشموخ
التوقيع
الأديب هو من كان لأمته و للغتها في مواهب قلمه لقب من ألقاب التاريخ
ما أجمل أن يصف إبن المنطقة تفاصيلها ..
وكأنه يصف حبيبته التي لا تفارق نبض القلب .. ولا الهواء الذي يتنفسه ..
ربما ترتسم البسمة الآن على محيى الصالحية وهي تسمع ترنيمتك
العاشقة لكل ذرة تراب فيها وانت فيها فما بالك إذا ابتعدت أو أبعدتك
الظروف عنها ..؟ هي الصالحية الجميلة بكل ما تحتويه من بناء
ومحال و حركة وكل الصخب الذي ينطلق منها ... وشلال البشر
الذي يتدفق فيها رسمت لوحة بديعة راسخة ستبقى ...
لك ولقلمك البديع كل التقدير والاحترام