أتفقد أوراق الزمن يومياً .. أراها تتساقط وتهوي على الأرض كتّساقط أوراق الخريف تحركها بعض الريح فتسقط الأيام تمضي مسرعة لتتسلق الجبال ثم تسقط في وهده النسيان ولم يبق منها إلا من ثبت من أحداث عالقة بالأذهان . وما إن ترسل الشمس جدائلها الذهبية لأشعر بالدفء يتسرب في دمي ويتغلغل في جسدي ، فأمضي إلى حقيبة الماضي لأستخرج منها صوراً من شريط مكتظ بشتى الألوان ..ثم تتم رحلتها المعهودة . كل يوم تسرع ململة خيوطها متجهة نحو البحر، تنزع عنها غلالتها لتستحم من عناء سفر بعيدة .. تاركة خلفها جيوش الليل تتسلل لتكتسح ما بقي من جنود النور..وما أن يطلّ القمر بضيائه ليعيد بصيص الأمل ويبدد ظلام الانتظار. تعرفت عليه ..كان في السنة النهائية .. في كلية الآداب ـ قسم اللغة العربية ، وأنا أضع رجلي على بداية سلم العلم والمعرفة . حديثه جذبني من أول لقاء ، شاب يعتز بأرضه ..تحمل المسؤولية منذ صغره بعد أن توفى الله والده فكان المسؤول عن الأسرة .
مع نهاية العام الدراسي حصل على عمل في إحدى الدول الخليجية مدرساً للغة العربية التي كان يعتز ويفتخر بتعليمها لأنها لغة العروبة والقرآن. ودَّعني بكلمة خرجت من عمق فؤاده : ـ انتظريني حبيبتي لن يطول غيابي ونحن على العهد... كانت الرسائل بيننا كافية لترسم ملامح المستقبل، فلم ينقطع يوماً عن محادثتي والاطمئنان على أموري ويسأل عن كل شاردة وواردة . جاء الصيف ولم يستطع المجيء بسبب الرياح الهوج التي تعصف بالوطن .. قلقت جداَ عليه وارتبت في سلوكه وساورتني الشكوك :ـ
ــ هل نسيني؟ هل تعرف على أخرى ؟ هل وهل وهل؟ خمس سنوات مرت وأنا أتمنى لقاءه، ليتجدد حلمي المسافر في مساحات مديدة ولمسافات بعيدة، واستنهض بلقائه لهفتي المختبئة بين ركام الأشواق والحنين لأتنفس حبه وتتفتح أزهار قلبي برؤيته وتتراقص شفتاي مضطربة باستقباله ويعود الدفء إلى يديّ المتجمدتين منذ سفره، ليضمني تحت جناحيه كما كان أملي ويملاْ قلبي فرحاً وحباً وسعادة .
كلمة كان يرددها دائماً ( إن الفرج قريب بإذن الله ) لم أكن أعرف ماذا يقصد بهذا الفرج .. عرفت بعدها من والدته أنه لا يستطيع القدوم لأرض وطنه لسبب ما .. تخرجت وعملت في نفس البلدة مدرسّة ، مرت السنوات الخمس وأنا أعيش في حلم لا أعرف متى وكيف وأين سيتحقق ويعود ليرى أهله وأرضه ومن أحبهم وأحبوه؟؟؟ . ظهرت بوادر التغيير فجأة ، استشهد من استشهد وسجن من سجن وهاجر من ضاقت الأرض مع اتساعها عليه.من هول الظلم والعنف، وبقي الوطن صامداً بوجه الريح العاتية التي تحاول أن تهز كيانه من كل الجهات . في مساء ذات يوم رن جرس هاتفي .. رقم لا أعرف صاحبه من .. أجبت نعم .. يا لها من مفاجأة سمعت صوته لم اصدق نفسي .. اختصر الكلام قائلاً : حبيبتي جهزي نفسك لنرحل لغير هذا الضجيج... لنعانق نقاء السحاب.. لنسمر على مدرجات القمر.. لنصغي لهمس النجوم .. لنطير فوق الجاذبية الأرضية كفانا هموما وآلاماً .. لنعيش براءة الحب النقي لم أصدق أنه هو.. عصام بلحمه ودمه.. صوته .. ضحكته صرخت بأعلى صوتي متى .. كيف ..لماذا ؟ كيف سيمر الوقت متى سيأتي الغد.. شعرت بهذه الليلة تطول لتتساوى والسنوات الخمس التي لم أره ولم أشم رائحته.. بقيت الليل أتقلب على جمر الشوق ولهفة اللقاء. طرق الباب صباحاً كنت اعرف أنه عصام خرجت مسرعة كطفلة صغيرة ارتميت بحضنه حملني بين ذراعيه واتجه نحو الباب الخارجي .. حصان مجهز لينقلنا برحلة إلى كرمهم .. ومن ثم إلى عالم المجهول.. عالــم الفضاء .. لا صخب ولا دجــل ولا رياء ، ترددت في البداية كيف امتطي صهوة جواد لم اعتاد على ذلك، ساعدني على الصعود وانطلق بخطى ثابتة هادئة ليهدأ من خوفي .. يا لك من مغامر حبيبي !!! سألني هل أنت خائفة يا ندى ؟ سأضعك أمامي وأحميكِ بروحي .. لا تخافي. في الطريق استأذن مني لبعض دقائق ليعود بعد أن قرأ الفاتحة على روح والده .. لنكمل السير باتجاه الكرم . هناك تحت شجرة الجوز الكبيرة افترشنا الأرض وجلس بجانبي يحدثني عن كل شجرة كيف زرعها بيده ورعاها وحماها .. أمضينا اليوم بكامله .. وفي المساء عدنا إلى البلدة . كم سرني حبه لأرضه .. جعلني أشعر معه بالراحة والأمان.
/ / هيام صبحي نجار
التوقيع
وما من كــاتب إلا سيفنى … ويبقي الدهر ما كتبت يداه
فلا تكتب بكفك غير شي... يسرك في القيامة أن تراه
آخر تعديل هيام صبحي نجار يوم 09-04-2011 في 08:24 PM.
هي الأرض التي تبتسم لنا وتحتضننا بكل همومنا ومشاكلنا..
هو حبي للفلاح الذي نذر حياته فداء لهذه الأرض .. رواها بحبه وبعرق جبينه
مهما كتبت عن الارض .. الوطن .. لا استطيع ان افيه ولو مقدار ذرة تراب من حبه لنا
الاستاذ هشام برجاوي
أشكرك على التقاط الفكرة.. حيث اردت أنا أن أكون .
مع تحيتي لمرورك العطر بتراب الوطن الغالي.
هيام
التوقيع
وما من كــاتب إلا سيفنى … ويبقي الدهر ما كتبت يداه
فلا تكتب بكفك غير شي... يسرك في القيامة أن تراه
الأخت هيام صبحي نجار
قرأت العشق
قرأت الحب
قرأت الاندغام مع التربة الصافية
حيث تلاقى صفاء النفوس مع صفاء الأرض
وصدق المشاعر مع صدق الحب الذي يسمو
فكان التلاقي في أفياء غصون متجذرة في الأرض
هي الجذور يا سيدتي
وقد أبدع قلمك / يعلق على غصن عال ٍ
تحيتي لك