الفقر والسرقة في قصتين لماركيز / كوكب البدري
كالعادة ( مع ماركيز ) دهشة وحقيقة ممزوجة بالخيال . وباغماضة عين سريعة تمر احداث القصص امام القاريء فيلمس باحساسه الظروف المحيطة بكل بطل فيستيقظ معه صباحا يعاني معه من الحر الشديد ، يسهر ثم يعود في ساعة متاخرة من الليل ويتعاطف مع بؤساء الفقر الذين تضطرهم الحياة القاسية وغير المنصفة أن يسرقوا ليعيشوا ، يسرقون رغم ان صفات نبيلة تبقى ملازمة وتساكنهم بل ويفتقدها الأثرياء في أحيان كثيرة . يبلغ التعاطف ذروته في الحوار القصير من قصة " قيلولة يوم ثلاثاء " ؛ والتي هي احدى قصص المجموعة القصصية التي تحمل عنوان " الأم الكبيرة " كتبها ماركيز عام 1962 .
تقول الأم التي قُتِلَ ابنها – كارلوس كانتينو – اثناء محاولته السرقة من منزل السيدة الثرية – ربيكا – شقيقة القسيس اللذان يقطنان قرية بعيدة عن سكناها والتي جاءت الى هذه القرية مع ابنتها تحت هجير الشمس اللافحة كي تزور قبر ابنها :
- كان رجلا طيبا للغاية وكنت أقول له : لاتسرق أبدا شيئا يحتاج اليه انسان ليأكل ، وقد سمع كلامي ، لقد كان في الماضي يكسب عيشه من الملاكمة وكان لكل لقمة اكلتها في تلك الايام طعم اللكمات الشديدة التي كان ابني يتلقاها في مباريات ليلة السبت وهي مباريات كانت تضطره احيانا الى ان يلزم فراشه لثلاثة ايام متتالية وقد اضطر الى خلع جميع اسنانه .
فكارلوس كونتينو الذي قتلته ربيكا لم يكن ينوي سرقة شيئا يؤكل وأنما سرقة شيئا من قطع الأثاث المهملة و القديمة التي لانفع منها والتي تحتفظ بها السيدة ربيكا اخت القسيس ، كانت بالحوار كأنها توجه توبيخا الى القسيس وانه لم يكن عادلا حين وصف كارلوس بالمجرم .. فلولا الحاجة والحيود عن العدل لما فكر ابنها في السرقة .
وثمة تعاطف آخر مع شخصية اخرى تضطر للسّرقة لكن هذه المرة ليست سرقة (لكراكيب قديمة) وانما سرقة ثلاث كرات بلياردو لبيعها ، فـ " دامازو " في قصة " ليس في القرية لصوص "شاب وسيم جذاب كان يأمل لو يبادل مايسرقه مع كرات من قرية اخرى ويبيعها كي يحقق مايصبو اليه ومنها أن تترك زوجته " آنا " العمل بغسل الملابس وكيها ، ورغم سرقته هذه يبقى ضميره يقظا خصوصا بعد تعذيب احد الزنوج الذي اكيلت له تهمة السرقة لاشيء سوى كونه زنجيا رغم تاكيد احدى بنات الهوى انه كان عندها في وقت حادثة السرقة ، فيحاول ان يعيد الكرات فيلقى مالايحمد عقباه من مصير متوقع ...ليس لأنه لص بل كما قال صاحب الصالة ( مغفل ) .
قراءة شيقة ووقتا طيبا مع كتاب الأم الكبيرة للروائي الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز / ترجمة : محمود علي مراد صادر عن الدار المصرية اللبنانية . 2004
( والقراءة كانت عراقية طبعا)
مع تحيات /كوكب
التوقيع
ممن اعود ؟ وممن أشتري زمني ؟ = بحفنة من تراب الشعر ياورق؟