صاح الشاعر وعيناه تتهجى ما تفكر به العصافير المتجمهرة على الشبابيك:
ـ ها قد بدأنا بقضم أوراقنا منتظرين عطف التوقيع وصدور البطاقات التموينية،قد مات الثلاثاء كما سبقه الاثنين،وسوف تبقى العصافير معنا تنتظر بطاقاتها،ستبقى مشردة تستجدي ما تبقى من البذور الهاربة من بوابات المخازن الموصدة.
وفي لحظة صمت تناهت لمسامع الجميع صرخة رجل يحمل طفلا رضيع:
ـ تكلم الصغير...تكلم الصغير...
توجهت الجموع إلى حيث يجلس الرجل،وما وجدوه لم يروي ظمأ فضولهم،لم يتكلم الطفل، بل اخذ يتنصت لتذمر البعض وهم يرددون:
ـ انه يهذي،قد صعقته الشمس....
زبد الرجل والطفل ينتفض مع جسده الغاضب:
ـ بل تكلم،صدقوني،قد جئت اليوم كي ادرج اسم الطفل في البطاقة التموينية،وكنت ضجرا حين سمعته يتفوه بكلمات لم افهمها،لا يهمني ما سوف تقولونه عني ولكني أحاول منذ ساعات أن اعرف ما يطلبونه من مستلزمات.
عندها أجابه الجميع:
ـ الموافقات....
تلاها تصاعد الأصوات التي ترددت بطوابع عديدة:
ـ صوت الموظف المسؤول:أنت تدعي انه يتكلم وهذا يستوجب موافقات إضافية.
ـ الأصوات النسائية:موافقة اليونيسيف واتحاد النساء.
ـ الأصوات الرجالية:موافقة الحزب والمنضمات الجماهيرية ومجلس الشعب والبرلمان.
ـ الأصوات الدينية:فتاوى وموافقات وزارة الشؤون الدينية وزعماء الطوائف.
ـ الأصوات الدبلوماسية:موافقة الأمم المتحدة والصليب الأحمر.
التهمت الحيرة راس الرجل فاخذ يتمتم:
ـ الموافقات...وما سبب كل ذلك...؟
وفي الحال تلاقفت أذناه إجابة الموظف المسؤول حين تأفف قائلا:
ـ لانك تدعي انه يتكلم،وهذا يجعل الشكوك تدور حول إنسانيته.
عندها انقض من بين الخرق البالية صوت الطفل الغاضب حين قال:
ـ أنا ابن الله،أم نسيتم من هو الله...؟
هرب من هرب،و أغمى على البعض،فيما شهد من تماسك في حينه ما حدث،وذلك حين هدأ الضجيج وعاد صوت الطفل قائلا:
ـ (طوبى للمساكين بالروح،لان لهم ملكوت السماوات،طوبى للجياع والعطاشى إلى البر لان لهم ملكوت السماوات.انظروا إلى طيور السماء إنها لا تزرع ولا تحصد ولا تجمع إلى مخازن.إن أباكم السماوي يقوتها،ألستم انتم بالحري افضل منها؟لان كل من يسال يأخذ ومن يطلب يجد.ومن يقرع يفتح له.آم أي إنسان منكم إذا أساله ابنه خبزا يعطيه حجرا.اذهبوا عني يا فاعلي الإثم.يا أولاد الأفاعي كيف تقدرون أن تتكلموا بالصالحات وانتم أشرار؟فانه من فضلة القلب يتكلم الفم هو ذا بيتكم يترك لكم خرابا*.ستطلبوني ولا تجدوني وحيث أكون أنا لا تقدرون انتم أن تأتوا ...واما الآن فأنا ماض إلى الذي أرسلني وليس أحد منكم يسألني أين تمضي؟**).
هذا آخر ما سمع قبل أن يثب من بين الاقمطة سنونو صغير،عانق بجناحيه القبة الزرقاء، فيما تناغمت مع خفق الأجنحة ترنيمات الشاعر حين ودع الشاعر منشدا:
ـ اذهب وداعا عسلي المذاق،لك مداعبات الأجنحة البيض ونسيم الهفهفات،ولي التراب والصمت الجبان،اذهب أمامك أحضان القباب الزرق مشرعة،وأمامي افق مخضب بالدماء.
هرب النبي وصار الشاعر منبوذا من قبل الجميع،يسير في الطرقات صامتا،يغازل بريق النجوم،وفي أي حي يمر به يستقبله الناس بالشتائم والحجارة،لا يملك غير الصمت،وترقب أجنحة الملائكة عسى أن تخطفه يوما وتبعد خطواته بعيدا عن طريق المشانق والصلبان. ***
(*)إنجيل متي الاصحاح5،6،7،12،23 (**)إنجيل يوحنا الاصحاح7،16
استاذي الفاضل
والمبدع الرائع
عبد الرسول معلة
كما قلت لك سابقا
بمرورك يكتمل النص
ايها الاستاذ الكبير
شكرا للمرور وشكرا للتصحيح
تقبل فيض من المحبة والاحترام
القاص الرائع مشتاق عبد الهادي
محبتي
مبدع دائما ولك طريقة خاصة في القص
فيها من الشعر والالم والفلسفة والسخرية مايغري القاريء او المتلقي
بالوقوف طويلا على منصة ابداعك
تسلم
المبدع مشتاق
قلتها وأرددها دوما لقلمك ميزة خاصة تجذبنا
تمتزج عندك الصور فتكون الرسالة واضحة لمن أراد أن يقرأ الرسائل بصدق
رائع دوما
متابعة
تحياتي ومودتي