سَلْبٌ وَصَلْبٌ ... ثم إن ذات المشهد انبعث، ونفس الأصوات ارتفعت، فأوقدت لديه لهيب تلك الذكرى المؤلمة من جديد، وأيقظت في داخله هبوب ريح ذلك الحادث العاصف وكأنه هدير سيل جارف، وقد كان خلف في نفسه جراحاً نازفة لا تلتئم، وغير كثيراً مجرى حياته ...
لم يكن ما صدم ناظريه أقل عنفا وأخف وقعاً وزلزلة مما نزل عليه ذات يوم مضى نزول الصاعقة، ولم يكن ما هز سمعه في نفس اليوم أهون ولا أيسر مما أصمَّ أذنيه مرعداً ...
لم يذق للشباب ولما بعد زمن الشباب طعماً جميلاً رائقاً مثل أقرانه، وظل يناشد عينيه لتجودا بالدمع الغزير شفقة عليهما، فلا تجيبانه إلى ما يريد، وتأبيان إلا أن تجمدا في عناد ...
كم كان يشتدُّ به الحنين ويشدُّه إلى نبض فؤاده القديم، وكم كان الشوق يهيج في داخله ويجرفه إلى ملاقاة ومعانقة كل ما كان يخفق له قلبه بصدق في تلك الأيام الخوالي ...
لازمه الشوق ذاته، وصاحبه ذات الحنين، لكن العودة إلى الذي سلب منه قهراً وكرها بقيت سراباً لم يستطع إليه سبيلاً، وظل حلما لم يفلح في تحقيقه كثيراً أو قليلاً، ولم يجد له تبديلاً ولا تحويلاً ... د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي السندباد