طرقت سليمة باب صديقتها شيماء و انتظرت.
فتح الباب و ظهرت شيماء مرتدية ملابسها الرياضية و العرق يتصبب من جبينها. هي ، وكما أخبرت سليمة ، تحاول إنقاص وزنها لتصبح برشاقة ممثلتها المحبوبة جوليا روبرتس. فتحت الباب على مصراعيه و استقبلت صديقتها سليمة بابتسامة عريضة على شفتيها.
.. تفضلي يا سليمة بالدخول إلى.... ما بك ؟ مالي أراك حزينة؟
لم تستطع سليمة مقاومة نفسها فارتمت في حضن شيماء و هي تذرف دموعا على كتف شيماء المتعرق، غير آبهة برائحة العرق.
أغلقت شيماء باب شقتها بضربة من قدمها اليمنى و طبطبت على ظهر سليمة و هي تسألها :
.. ما بك؟ هل حدث أي مكروه لا قدر الله؟
.. لقد.... لقد اكتشفت أن زوجي رضوان يخونني مع زميلة له في العمل.
.. المسخووووط... تعالي نجلس على الأريكة و احكي لي قصتك.
كانت سليمة مؤخرا تشك في تصرفات زوجها رضوان. فهو يغادر البيت كثيرا محتجا بعشاء عمل مع المدير أو غذاء على حساب أحد زبائن الشركة التي يشتغل فيها. بدأت سليمة بمراقبة تحركات رضوان و بدأت بتعقبه إلى الأمكنة التي يذهب إليها. و ما هي إلا أيام معدودات حتى أتت المراقبة أكلها: اكتشفت انه استأجر شقة في إحدى العمارات اتخذها مكانا لنزواته.
بعد أن أكملت سليمة حكيها ، مسحت دموع عينيها بظهر يديها و التفتت إلى صديقة عمرها شيماء :
.. لقد احترت ماذا افعل.... و لهذا جئت إليك طلبا للمشورة.
ربتت شيماء على كتفها و قالت :
.. هناك حل سيقتلع كل مشاكلك من جذورها.
.. أغيثيني به... أرجوك.
ملئت شيماء رئتيها بالهواء قبل أن تقول ناصحة :
.. أعرف شيخا يمتلك حلولا سحرية لكل مشكل مستعص .
.. ماذا تقصدين؟ أذهب إلى مشعوذ سحّار؟
.. بل قولي منقذ و مخلص. ألا ترغبين في عودة زوجك إليك و لا ينظر إلى أي امرأة أخرى مهما بلغ جمالها؟
لم تجب سليمة. بل أخدت تحدق في بلاط الأرض و هي غارقة في التفكير. بعد برهة أجابت :
.. لن ألجأ إلى شيخك .... أنا لا أؤمن بالشيوخ و خزعبلاتهم. ... ثم.... ثم.... من يضمن لي نجاح الشيخ في مهمته؟
ارتسمت ابتسامة خبيثة على شفاه شيماء .
.. هل نسيتي ما كنت أعانيه في بداية زواجي من تسلّط و تجبّر حماتي؟ بخلطة واحدة و وحيدة من يدي ذلك الشيخ المبارك انقلبت من وحش كاسر إلى ملاك وديع و محب.... لقد التقيت حماتي عدة مرات و لاحظت الفرق بأم عينيك.
أطرقت سليمة مفكرة دون أن تنبس ببنت شفة.
اقتربت منها شيماء و احتضنتها و هي تهمس لها في أذنها اليمنى : " الغاية تبرر الوسيلة. ... سيصبح زوجك رضوان كالخاتم في أصبعك توجهينه كما تشائين. ثقي بي "
لم تجبها سليمة. بل أخدت تسأل نفسها كيف ستكون حياتها إذا ما نجح الأمر فعلا.
\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\
كان للشيخ بيت في ضواحي المدينة. و قد لاحظت سليمة يوم ذهابها إليه بمعية صديقتها شيماء طابورا كبيرا من الذين قصدوا الشيخ المشهور لحل مشاكلهم بوصفاته السحرية. كانت سليمة حينها ترتدي نظارات سوداء كبيرة الحجم مخافة أن يتعرف عليها أحد و هي عند الشيخ.
لاحظت أن الغني و الفقير ، الأمّي و المتعلم ، الأبيض و الأسود ، الذكر و الأنثى ..... كلهم يشكلون زبائن الشيخ و كلهم اصطفوا في طابور أمام باب الشيخ في انتظار المثول أمام حضرة الشيخ .
وجاءت ساعة دخول سليمة على الشيخ.
وجدته جالسا القرفصاء على زربية متآكلة وسط غيمة من البخور. جلست أمامه و قد غطت رأسها بخمار كما أخبرتها صديقتها شيماء و انتظرت أن يبادرها بأسئلته. لم ينتبه لها منذ الوهلة الأولى ، بل تابع تحريك شفتيه بكلام خفيض و غير مفهوم.
بعد مدة قصيرة من تواجدها بحضرته ، حرّك رأسه بعصبية كأنما به مس من الجن و التفت إلى سليمة مبتسما. لاحظت وجود فجوة بين أسنانه الأمامية بسبب فقدانه لسنين من فكه السفلي. طلب منها أن تحكي له مشكلتها.
بعد أن انتهت من سردها ، تبسّم الشيخ و خاطبها قائلا : " هوّني عليك... مشكلتك بسيطة جدا.... سأعطيك بعض الأعشاب تضعينها في حساء و تقدميها لزوجك. و عندها ستشكرينني "
بادرته سليمة سائلة : " ممكن أن أضع الأعشاب في الشاي؟ فزوجي لا يحب الحساء بعكس الشاي الذي يقبل على شربه كل حين "
أجابها الشيخ بايمائة من رأسه.
نادي الشيخ على مساعدته و هي امرأة تجاوزت عقدها الرابع بقليل. انحنت بمقربته بأدب جم و أخد الشيخ يهمس لها في أذنها " الوصفة السحرية "
غابت المرأة خلف ستارة . أخدت سليمة في التساؤل إن كان فعلا هذا هو الحل الأمثل لمشكلتها و إن كان هذا الشيخ يملك الوصفة السحرية ليعود زوجها كما كان..... و لكنها أقنعت نفسها أن الدليل على نجاح وصفات هذا الشيخ هو طابور مريديه الذين ينتظرون منذ بزوغ أولى خيوط الفجر أمام بيته .
ظهرت مساعدة الشيخ من خلف الستار و هي تحمل كيسا بلاستيكيا صغير الحجم يحتوي على أعشاب.
أخذت سليمة الكيس من المرأة و شكرتها و التفتت إلى الشيخ ليصف لها كيف تستعمل الأعشاب.
\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\
كانت الساعة الحائطية الموجودة في غرفة الجلوس تشير إلى السادسة و الربع مساءا.
السيد رضوان ، زوج سليمة ، مستلقي على أريكة و يشاهد مقابلة نصف نهاية كأس العالم لجنوب إفريقيا.
سليمة موجودة في المطبخ تعد له الشاي. دقات قلبها متسارعة و يداها ترتجفان و تفكيرها مشوش. إنها تهم بوضع الأعشاب السحرية في شاي زوجها.
هل ستنجح الأعشاب المعدة من قبل الشيخ في تقويم تصرفات زوجها رضوان؟
فكرت أن تلقي بالأعشاب إلى المزبلة و تناقش الأمر مع رضوان وجها لوجه. و لكنها لم تفعل. كانت تقنع نفسها مرددة قول صديقتها شيماء : " الغاية تبرر الوسيلة"
أخرجت الكيس البلاستيكي الصغير من جيبها و أفرغت محتواه في إبريق الشاي. حركت الكل بملعقة متمنية أن ينجح الأمر و تعود حياتها كما كانت.
و ضعت إبريق الشاي و كأس فارغة على صينية و حملتها . أحست أن رجليها تزن أطنانا و ترفض الانصياع لأوامر دماغها. تنفست بعمق و تحاملت على نفسها حتى بدأت تخطو ببطء كطفلة تتعلم المشي لأول مرة.
وخرجت من المطبخ متجهة إلى غرفة الجلوس. وضعت الصينية على طاولة صغيرة بقرب زوجها رضوان.
شكرها رضوان و ملأ كأسه شايا. رشف رشفة أولى ، ثم ثانية ....
لكنه لم يستطع أن يوصل الكأس إلى فمه في المرة الثالثة.
سقطت الكأس من يده و تكسرت على أرضية الغرفة.
بدأ رضوان يتألم و يصدر آآآهاااات متقطعة دون أن يقوى على لفظ أية كلمة. سقط على الأرض و يديه ممسكة بعنقه كأنما يحاول نزع يد خفية تخنقه. شاهدت سليمة كل هذا دون أن تدري ماذا يجري لرضوان و ما يتوجب عليها فعله.
استمر رضوان في اضطرابه و محاولة إدخال الهواء إلى رئتيه..... ولكن دون جدوى.
لم تمض ثلاثة دقائق حتى لفظ أنفاسه و أصبح جثة هامدة بدون روح. خرجت من فمه رغوة بيضاء كثيفة.
حدقت سليمة في جثة زوجها رضوان غير مصدقة ما ترى. هل فعلا مات رضوان أم انه يدعي الموت؟
جثث على ركبتيها و انحنت على جثة رضوان. وضعت أذنها اليمنى على صدر رضوان . لم تكن تسمع سوى صوت تنفسها المضطرب. و ضعت كلتا يديها على فمها لخنق صرخة رعب تولدت في أحشائها .
ماذا يجب عليها فعله؟ هل تنفع عملية التنفس الاصطناعي أو أي من عمليات الإسعافات الأولية؟
أقنعت نفسها و اعترفت بالأمر الواقع : زوجها رضوان توفى.... و بسببها هي و أعشاب الشيخ .
كالمنومة مغناطيسيا، وقفت على رجليها و اتجهت صوب الهاتف. ركّبت رقما و انتظرت. سمعت صوت رجل على الطرف الآخر من الخط :
.. آلو. هنا الشرطة.
.. أريد... أريد أن ابلغ عن جريمة قتل.