الشخصيات
عصام
صوت سعيدة عبر الهاتف
غرفة الجلوس في إحدى المنازل الفاخرة
يدخل عصام.ينزع معطفه و يضعه فوق كنبة. ينظر لساعة يده و يهم بالانصراف للحمام لأخذ دوش
يرن هاتفه المحمول. يخرجه من جيب معطفه الموضوع على الكنبة و يرد.
عصام : آلو
صوت سعيدة عبر الهاتف : أهلا يا عصام.
عصام : من المتصل؟
صوت سعيدة :ألم تعد تذكر صوتي يا عصام؟ ولكن لا بأس، لقد مرت قرابة 12 سنة على آخر مرة كلمتني فيها.
عصام : أرجوك يا سيدتي، يكفيني ألغازا.... هلا أخبرتني من تكونين؟
سعيدة : يبدو أنك نسيتني فعلا..... أنا سعيدة الخادمة التي اشتغلت في بيتكم قرابة ثلاثة سنوات.
عصام : آه... تذكرتك الآن. كيف حالك؟ و أين اختفيت ؟ ولماذا غادرت بيتنا دون سابق إنذار؟
سعيدة : أنا في أسوء حال..... و لم أغادر بيتكم إلا مرغمة.
عصام : مندهش ) مرغمة؟؟ و من أرغمك على المغادرة؟
سعيدة ( بعد صمت قصير ) : والدك... هو من أرغمني على المغادرة.
عصام ( دائما في حالة اندهاش ) : والدي ؟؟ ولماذا يرغمك على المغادرة و لم يصدر من جهتك ما يستوجب طردك.
سعيدة : أتريد أن تقول لي أن والدك لم يتكلم معك في هذا الموضوع؟
عصام : لا علم لي بهذا الموضوع. ألا يمكنك توضيح الصورة لي؟
سعيدة ( بعد صمت قصير ) : لقد أخبرته أنني كنت حاملا منك.
عصام ( الصدمة بادية عليه ) : ماذا؟؟؟ حامل مني؟؟؟ أنا؟؟؟ما هذا التخريف؟
سعيدة ( بكل هدوء ) : لا تلعب دور البريء يا عصام لأنه لا يلائمك. ألا تتذكر ... أو أنك لا تريد تذكر أنك كنت ترغمني على معاشرتك؟ و مرات عدة؟
عصام ( صمت )
سعيدة : لم تجبني على تساؤلي يا عصام....
عصام : ليس ابني من كنت تحملين في أحشاءك.... ربما..... ربما هو من شخص آخر.
سعيدة : بل هو ابنك . أنت تعرف أنني كنت ساذجة و خجولة جدا و لا عائلة لي. الشيء الذي استغليته لتجبرني على... على ما كنا نفعله.
عصام ( مرتبك ) : .... و .... و لماذا لم تخبريني حينها بالموضوع؟
سعيدة ( نبرة ساخرة في صوتها ) : و هل كنت ستتزوجني و تسترني إذا ما كنت أخبرتك ؟
عصام ( لا يجيب . يحدق في الأرض و كأنما سعيدة تقف أمامه و لا يستطيع النظر في عينيها )
سعيدة : كنت واثقة من ردة فعلك. لذلك فكرت بالضغط عليك و ذلك بإخبار والدك بالأمر قبلك أنت.... ولكن هذا الأخير صفعني بقوة و طردني من بيتكم و صاح مهددا أنه سيقتلني إن رآني مرة أخرى أما عينيه.
عصام : لهذا السبب اختفيت عن الأنظار؟
سعيدة : لم تسألني ماذا حل بي و بابنك يا عصام بعد أن طردت من بتك.
عصام : هل .... أفهم من كلامك أنك لا زلت تحتفظين بذلك الجنين؟
سعيدة : ذلك الجنين أصبح فتى الآن.... أجمل و أذكى فتى رأيته في حياتي.
عصام ( صمت )
سعيدة : ألا تريد أن تتعرف على ابنك يا عصام؟
عصام : أنا متزوج الآن .
سعيدة : هذا لا يمنع من أن لك ابنا مني أنا .... أنا سعيدة الخادمة التي أنجبت ابنك الوحيد.
عصام : لقد فاجأتني بالأمر. يجب أخد الوقت الكافي لإيجاد حل للمشكل. و من جهة أخرى يجب أن أقوم ببعض التحليلات المختبرية لإثبات صحة ما تدعين.
سعيدة : أنت تعلم جيدا أنه ابنك.... و ربما وجب عليك أن تسمع ما عانيته في سبيل تربية ابنك الوحيد و ما قاسيته في سبيل إسعاده و توفير لقمة العيش له.
عصام : لا أريد سماع أي شيء. ( و لكن لا يزال يضع الهاتف المحمول على هاتفه دليلا على أنه متلهف على سماع الحكاية. وأن ما نطق به لسانه ليس هو ما يفكر فيه )
سعيدة : بل سوف تسمع يا عصام....
عصام ( صمت )
سعيدة : بعد أن غادرت بيتكم ..... أو لأقل بعبارة أدق ، بعد أن طردت من بيتكم ، التجأت لصديقة لي و هي خادمة أيضا في أحد البيوت تسكن منزلا من منازل الصفيح .... فكرت حينها أن أخبرك بأمر الجنين في أحشائي و لكن خفت من تهديد والدك بقتلي. لذلك كتمت الأمر عنك حتى وضعت الطفل.
عصام ( مهتما و متابعا القصة باهتمام ) : هل وضعت الطفل في بيت الصفيح أم في المستشفى؟
سعيدة : بل في القصر الذي كنت أعيش فيه.... في بيت الصفيح. و بعد أن تمت الولادة ، بدأ المشكل الكبير : توفير لقمة العيش لي و لأبنك الرضيع. وجدت لي صديقتي الخادمة عملا مؤقتا في إحدى البنايات و لكن ما كنت أجنيه كان ضئيلا جدا ... لا يخفى عليك أن ما نربح من أجورنا نحن معشر الخادمات شيء زهيد ، و زهيد جدا. لذلك وجب علي إيجاد حل بسرعة للخروج من المشكل المادي. و جاء الحل الذي اخترته أثناء قيامي بتنظيف إحدى شقق العمارة التي كنت أقوم بتنظيفها مرتين في الأسبوع.
عصام : و ما هو الحل يا ترى؟
سعيدة : أرى أنك متابع لقصتي ومهتم بتفاصيلها. هل تريد أن تعرف كيف أنقذت نفسي و ابني... ابنك من الجوع و الخصاص؟
عصام ( لا يجيب )
سعيدة : سأخبرك يا أبو طفلي و ولدي.
عصام : حذار أن تتلفظي بهذه العبارة مرة أخرى. أنا أحذرك.
سعيدة ( نبرة تحدي في صوتها ) : مادا ستفعل إذا؟
عصام : سوف... سوف أغضب كثيرا.
سعيدة : ثم ماذا بعد الغضب؟
عصام ( لا يجد ما يقوله ) : المهم أنني حذرتك.
سعيدة : لننسى تحذيرك و نركز على الحل الذي رأيت فيه خلاصي. كما تعلم لقد كنت في المدرسة للمرحلة الابتدائية . و لولا فقدان والدي في حادث سير مروع لكنت أكملت دراستي.... المهم ، و أنا أقوم بتنظيف الشقة، لفت انتباهي حوار أجرته إحدى الجرائد مع أحد أغنياء مدينة مراكش.
عصام : و من هو هذا الغني.
سعيدة : اسمه لا يهم كثيرا و لو أن ذكره سيتكرر في قصتي. المهم أنه بعد قراءة الحوار ، ذهبت إلى الفيلا التي يقطن فيها هذا الثري.
سعيدة : لا بد أنه يطلب خادمات للعمل لديه.
سعيدة ( لا تعير اهتماما لكلام عصام ) : طرقت باب الفيلا و فتح الباب أحد الخدم. نظر إلى هيئتي الرثة و بريبة سألني لماذا أزعج أهل البيت. قلت له أنني أريد مقابلة سيد البيت لشيء ضروري و خصوصي. ابتسم الخادم مستهزئا بي و قال مقلدا طريقة كلامي : شيء ضروري و خصوصي؟ و بنبرته العادية قال : اذهبي أيتها المتسولة بعيدا و إلا استدعيت لك الشرطة. و هم الخادم بإغلاق باب الفيلا. و لكني قلت له أنني أريده لشيء يخص ابنته سلمى.
عصام : من تكون سلمى هاته؟ و ما نوع العلاقة التي يمكن أن تجمع بين ابنة ثري و خادمة مثلك.
سعيدة : مهلك علي و ستعرف كل شيء في حينه.
عصام : سأتمهل لأعرف سر هذا اللغز. تابعي قصتك.
سعيدة : بمجرد سماع اسم سلمى، نظر إلي الخادم بريبة و لكن باهتمام أيضا و سألني : و ماذا تريدين سيدتي الصغيرة سلمى؟ أجبته بنرة استهزاء : لو أنك والدها لقلت لك لماذا أريد التحدث بشأن سلمى. و قلت له بصوت آمر : اذهب يا هذا إلى سيدك و أبلغه ما قلت لك. و فعلا، ذهب الخادم لمناداة سيده. ولكن قبل ذهابه أغلق باب الفيلا في وجهي معتقدا أنني مجرد متسولة. بعد دقيقتين من الانتظار ، ظهر السيد الغني متبوعا دائما بالخادم و سألني ماذا ورائي. فكرت أن أقول له أن يدخلني حتى نتكلم بهدوء و يسمعني جيدا و لكن رأيت علامات الحيطة و الحذر في عينيه فآثرت أن أخبره ما أريد على عتبة الباب. ( تصمت )
عصام : لماذا الصمت؟ ألن تتابعي أحداث هذه القصة العجيبة الغريبة؟
سعيدة : سأتابع . سأتابع. قلت له : لقد قرأت الحوار الذي أجرته معك جريدة ...... نظر إلي باستغراب وقال : كل الشعب المغربي قرأ الحوار. و مع ذلك أنت الوحيدة التي طرقت بابي و لا زلت أتساءل عن السبب.
عصام : و أنا أيضا.
سعيدة : قلت له : لقد عرفت أن ابنتك سلمى تحتاج إلى متبرع بكليته و قد أتيت إليك أرغب في التبرع لها.
عصام ( مندهش ) : ماذا؟؟؟ تتبرعي لفتاة غريبة عنك لا صلة و لا قرابة تجمع بينكما بكليتك؟ هذا هو الجنون بحق.
سعيدة : أوافقك الرأي يا عصام. و لكن اشترطت على الرجل الغني أن يتكفل بي و بابني مقابل التبرع لأبنته بكليتي.
عصام : وهل وافق هذا الرجل؟
سعيدة : بطبيعة الحال وافق. و لكن كان لابد في البداية من التأكد إن كانت فصيلة دمي موافقة لفصيلة دم ابنته. أقصد سلمى.
عصام : وماذا كانت النتيجة؟ ايجابية أم سلبية؟
سعيدة : لحسن الحظ كانت ايجابية. و تمت عملية زرع كلية من جسمي في جسم سلمى وشفيت.
عصام : وهل حافظ الرجل الغني على وعده؟ أقصد هل أعطاك المال مقابل كليتك؟
سعيدة : أعطاني مالا و طلبت منه أن أشتغل لديه. لأنني كنت أكيدة أن ما أعطاني إياه سوف ينفد إن عاجلا أم آجلا. اشتغلت عنده خادمة و قام هو بإدخال ابني .... أقصد ابننا إلى الروض ثم المدرسة الابتدائية. المهم ، عشت لذا الرجل الغني و ابنته أحلى سنين عمري. عشرة سنين بالضبط.
عصام : ولماذا عشرة سنين فقط؟ هل طردك بعدها؟
سعيدة : بل كان هو و ابنته سلمى أحن بشر علي و على ابني. و لكن بعد ذلك توفى الرجل الغني وانقلبت حياتي جحيما مرة أخرى.
عصام : يبدو أن تلك الفتاة المدعوة سلمى قد طردتك من بيتها بعد وفاة أبيها. أليس كذلك؟
سعيدة : بل عمتها هي التي استغلت سفر سلمى لقضاء عطلة في انجلترا لذا خالتها التي تقطن هناك و قامت بطردي أنا و ابني إلى الشارع.
عصام : و ماذا فعلت هاته المرة؟ لا تقولي لي انك قرأت إعلانا آخر في الجريدة و تبرعت بكليتك الثانية.
سعيدة : كفى استهزاءا يا عصام. أتسخر من معاناة الناس؟ لو أنك جربت ربع ما قاسيته لجننت، أنت المتعود على طلباته المستجابة و الطعام و الملبس المتوفرين لديك.... المهم ، وجدت نفسي و ابني في الشارع مرة أخرى. و هذه المرة كان الوقت شتاءا . و أي شتاء. برودة قاسية جدا..... وجدت بيتا من بيوت الصفيح سكنت فيه و ابني و بحثت لي عن عمل. اشتغلت مرة أخرى كخادمة في إحدى العمارات. و بعد خمسة أشهر في عملي الجديد، وقعت من على الدرج و تكسرت رجلي اليمنى و ثلاثة أضلع من صدري.
عصام : مسكينة.
سعيدة : أخدني صاحب العمارة إلى عيادة خاصة على نفقته.
عصام ( مستهزئا ) : دائما تجدين أولاد الحلال في طريقك. يالك من محظوظة.
سعيدة : لو أنني كنت فعلا محظوظة كما تقول لوجدت من يأخذ لي حقي منك و ما كان ليقع لي كل هذا.
عصام ( سكت و قد أحس بالصفعة الكلامية التي وجهتها له سعيدة )
سعيدة : عندما بدأت أتعافى من كسري و بدأت عظام رجلي تلتئم، نصحني الطبيب بعدم المكوث كثيرا في الغرفة و التنزه في جنبات العيادة. و ذلك ما كنت أقوم به . إلى أن جاء يوم لن أنساه أبدا. يوم أيقظ كل آلامي و جراحي و عذابي من جديد .
عصام : ما هو هذا الذي أيقض كل آلامك و جراحك وعذابك؟
سعيدة : رايتك أنت يا عصام في العيادة.
عصام ( مستغربا ) : أنا؟؟ في العيادة؟؟
سعيدة : رأيتك و لكنك لم تراني. بعد أن رأيتك تصعد الدرج ذهبت إلى مكتب الاستقبال و سألت الموظفة التي أصبح تعرفني جيدا عن سبب مجيئك يا عصام إلى العيادة. فأجابتني بأنك تقوم بزيارة لوالد الذي أجريت له عملية جراحية على قلبه.
عصام : أتقصدين أنه في الوقت الذي كان فيه والدي مريضا كنت أيضا ترقدين في نفس العيادة؟
سعيدة : أجل... طلبت من الموظفة أن تخبرني في أي غرفة يرقد والدك. فأخبرتني. انتظرت خروجك من العيادة و صعدت إلى الغرفة التي يرقد فيها والدك. بدأت أنظر إليه من خلال النافذة وقلت لنفسي أن ساعة الانتقام لنفسي و ولدي قد حانت.
عصام : ماذا تقصدين يا سعيدة؟ ماذا كنت تنوين فعله؟
سعيدة : قتل والدك و الانتقام لنفسي.
عصام : ماذا؟ قتل والدي؟؟
سعيدة : أجل . و لأجل ذلك عدت إلى غرفتي و أنا انتظر جنوح الظلام حتى أنفذ مهمتي. ولكن يبدو أنني كنت جد متعبة و منهكة لدرجة أنني نمت و لم أنتبه لمرور الوقت. في الصباح الباكر، عاتبت نفسي كثيرا لتخاذلي و تكاسلي أمام تنفيذ خطة انتقامي. و أنا في تلك الحالة، دخل ابني و ابتسامة عريضة على شفتيه. قال لي : خمني من جاء لزيارتك هذا الصباح يا ماما؟ نظرت إليه مستغربة إذ لم يكن لي صديقات أو عائلة. و لكن قبل أن أخمن من يزورني، دخلت سلمى . قبلتني و سألت عن أحوالي و أخبرتني بأنها لم تعلم ما فعلته عمتها إلى منذ يومين بعد عودتها من انجلترا. اعتذرت لي عما بذر من عمتها و أخبرتني أنني سأعود مرة أخرى إلى الفيلا كما كنت أيام والدها المرحوم.
عصام : ألم أقل انك محظوظة؟
سعيدة : ألم أجبك منذ قليل على تعليقك هذا ؟ أم أنك تود سماع الرد مرة أخرى ؟
عصام ( صمت )
سعيدة : المهم ، عندما لاحظ ابني انشغالي بسلمى ، قال لي أنه سيقوم بزيارة لصديقه.... هل تعرف يا عصام من كان يقصد ابني بصديقه؟
عصام : وكيف لي أن أعرف؟ أنا لا أطلع على الغيب.
سعيدة : كان ابني متعودا على الذهاب إلى غرفة أحد المرضى. وذلك المريض كان هو والدك.
عصام : ماذا؟؟؟ ابنك يصادق أبي؟
سعيدة : بل قل : الجد يصادق حفيده.
عصام : و لكن .... ألم تقولي منذ لحظات أنك كنت عازمة على الانتقام لنفسك و قتل والدي؟ كيف يعقل إذا أن تسمحي لأبنك بزيارة والدي الذي تعتبرينه سبب مصائبك؟
سعيدة : لو كنت أعرف ذلك لنهرته. و لكن لم أعرف حقيقة الأمر إلا عند مغادرة والدك المستشفى. كان قد أخبرني أن صديقه العجوز سيغادر المستشفى و طلب مني الأذن لاصطحابه إلى سيارة ابنه.... أي سيارتك يا عصام. بقيت في غرفتي أراقب الأمر من الشرفة. شاهدت سيارة تتقدم من باب المستشفى و رأيتك تترجل من عليها. عندها فهمت من كان ابني يقصد بصديقه. تم بعدها ظهر والدك على الكرسي المتحرك و ابني أنا ، ابنك أنت يا عصام ، هو من يقوم بدفع كرسي جده في اتجاهك.
عصام : أتقصدين أن ذلك الفتى الذي.... هو ابني؟؟؟؟ أقصد ابنك؟؟؟
سعيدة ( نبرة فرح في صوتها ) : أخيرا اعترفت أنه ابنك.
عصام : لم اعترف... كانت زلة لسان.
سعيدة : بل اعترفت يا عصام..... في تلك اللحظة أردت مناداة ابني و الطلب منه الابتعاد عنك ووالدك لخوفي عليه. و لكن قلت لنفسي أنك ووالدك لا تعرفان حقيقة ابني. لذلك لم أتفوه بكلمة و تابعت المشهد من الشرفة. كنتما أنتما الاثنين فرحين بتواجد ابني بجواركم. و أتذكر أنك أدخلت يدك في جيبك و أعطيت ابني.... أقصد ابنك قطعة نقود.
عصام : أتذكر الآن جيدا ذلك الفتى و تلك اللحظة. أعطيته ورقة نقدية من فئة خمسون درهما.
سعيدة : أجل. لقد أراني إياها ابني بعد مغادرتكما المستشفى. ما كان انطباعك حول ابنك يا عصام؟
عصام ( صمت )
سعيدة ( مصرة ) : لقد سألتك يا عصام أي انطباع ترك ابنك في قلبك.
عصام ( متحاشيا الإجابة ) : و ماذا حصل لك بعد ذلك؟
سعيدة : لا تريد الجواب على سؤالي؟ لا يهم. صمتك فضح حقيقة مشاعرك..... بعد أن تعافيت ، طلبت مني سلمى أن أعود للاشتغال في الفيلا التي أصبحت ملكها. ووافقت. مكثت فيها حوالي سنة. و لكن بعدها طلبت منها أن تسمح لي بالمغادرة لأنها كانت مقبلة على زواجها.
سعيدة : ولماذا لا تمكثين؟ ألم تجدي المأكل و المشرب و الحياة السعيدة التي طالما بحثت عنها؟
سعيدة ( بعد صمت قصير ) : أردت .... أردت أن لا ألتقي بالشخص الذي سيتزوج سلمى..... أردت أن لا ألتقي بك يا عصام.
عصام ( مستغربا ) : تريدين أن لا تلتقي بي؟ و ما دخلي بالموضوع؟
سعيدة : سلمى ليس هو الاسم الحقيقي للشابة التي تبرعت لها بكليتي. اسمها الحقيقي هو فيروز و هي زوجتك يا عصام.
عصام : أتقصدين انك ..... أن فيروز هي..... أن.... يا الهي
سعيدة : أجل. لو قلت لك منذ البداية أن الشابة تدعى فيروز و أيضا لو كنت أخبرتك باسم والدها الذي آثرت عدم التلفظ به لاكتشفت منذ البداية أن الشابة التي تبرعت لها بكليتي ، و التي أنقدتني و ابنك من الجوع و الضياع هي نفسها زوجتك.
عصام : لقد لاحظت فعلا التشابه في قصتك و قصة زوجتي. فقد حكت لي فيروز كيف أن خادمة غريبة لا تعرفها هي التي أنقدتها من الموت المحقق. و لكن إطلاق اسم سلمى على فيروز هو ما جعلني استبعد فرضية أنك أنت التي تبرعت لزوجتي بالكلية.
سعيدة : و الآن يا عصام ، وبعد أن قصصت عليك مأساتي منذ بدايتها حتى الساعة، ما أنت فاعل بشأن ابنك و ابني ؟
عصام ( يحدق في الأرض في صمت )
سعيدة : هل ستعترف بابنك أخيرا؟ هل ستعترف بفضل تضحيتي في سبيل انقاد زوجتك فيروز؟
عصام ( صمت )
سعيدة : آلو... عصام . هل تسمعني؟ أنا اسأل عما أنت فاعل بخصوص ابنك و ابني يا عصام.
عصام ( يضع هاتفه المحمول على الكنبة بجوار معطفه دون إقفاله و يخرج من الغرفة )
سعيدة : عصام...عصام.... آلو.... هل تسمعني؟ لماذا لا تجيب؟؟