ألح البحر
هدر فيَّ موج يدفع موجا, فيما النهار يتراخى ثعابين ضجر, يلوي خطواتي نحو الركود صاغراً حتى شارفت الشمس على الوداع, فوجدتني اركض بشهيق آخر موجة تلهث في دمي.. تهتف:
- لا تتأخر هي هناك..
وصلت الشاطئ عند موت آخر موجة قبلت النهار, ورأيت روحها تتسرب بين مسامات رمل الشاطئ, وفاعت جيوش نمل تنمل باطن قدمي الحافيتين ولا بلل, تهتف معاتبة لائمة:
- هل يموت الموج عند بوابات الليل!؟
ووجدتني أهتف فزعا:
- الموج يذهب ليعود.
غطست الشمس في البحر.. سحبت بقايا ضفائرها.. وتركت المدى عتمة دامسة.. لا نجم في السماء ولا ضوء يلوح.. لذت بهلعي؛:
" هل يأخذني الليل بجريرة من قتلوا النهار, وأنا من جاء على عطش مع ومضة أول ضوء.."
نسمة هاربة همست:
- إن كنت هو, هي حتما ستلوح
- من هي !!
- امرأة تقف عند البحر هناك.
وحدي مع العتمة والبحر في غزة يموت.. هل سكن الأزرقين عتمات طارئة, والبحر يتسلى بالصمت, يذرف آخر الأمواج دمعا..
افترشت الرمل, وهربت مع تعبي يغلفني هدير الموج مثل مواء القط قبل النزع الأخير.. لاحت لي في طرف الدنيا ذبالة ضوء اخترقت جحافل العتمة فصعدت والتقينا في منتصف المسافة.. كنتِ أنتِ.. قلتِِِِِِِِ:
- هل ودعت آخر موجة؟
- ودعتها قبل النزع الأخير.. وأنتِ أين كنتِ؟
- بين يديكَ.. أّغمض عينيكَ!
فعلت.. رأيتكِ تتخلقين في ضلعي, فعشت البهاء.. حتى إذا اكتملتِ زغردت عصافير روحي.. وسمعتك تصهلين:
- افتح عينيك.. لترى..
ووجدتني اهتف:
- هل فاجئنا المخاض؟
- هو الميعاد هيا للرقص..
ورقصنا على كفتي ميزان, معلقان بين صدر البحر وسقف السماء, ولهثنا نتأرجح مع الميزان صعودا وهبوطا حتى جاء الفجر بعصفور ملاك قال:
- اهبطا عن كفتي الميزان, كان ذلك اختبارا!!
يمم العصفور نحو الشرق وطار.. وصحوت من نومي عبر الوقت في رفة جفن بين هنا وهناك:
- أنا ذاهبة للبحر نلتقي هناك..
هل يعمدنا البحر يا سيدتي!! ويمسح ما تراكم على الجلد من ملح ترسب على مدار ألف عالم.. وغطست في العتمة..تحتي فراش من إسفنج رمل الشاطئ, وفوقي وشيش مغمس بلزوجة قاتمة, وما بينهما يرقص في فضائي قنديل وجهكِ.. ضاحكة تشاغبين:
- ما بك يا منسى تسبح في بحر الوجوم!!