نزعت جلدها ، وتسللت زاحفة على رؤوس أصابعها ، بدت في غاية الروعة ، وكأني أعرفها الآن . أخفت شيئا كانت تحمله بعناية ، وتظاهرت بوصولها المبكر الى السرير ، حاولت أن تتأكد من أني ما زلت نائماً ، قبلتني بحنان ، وألقت جسدها الطري قربي ، فتحت عيني فأخذني جمالها الخلاب ، وسكت لبرهة قبل أن أنطق بأول كلمة لي هذا الصباح :
-- تبدين مختلفة هذه المرة عزيزتي .
-- أنت تقول ذلك في كل مرة عزيزي .
في البداية حاولت أن أجعل الأمر طبيعياً ، ألا ان نشاطها هذا الصباح وحيويتها الفائقة جعلني اشك في الأمر ، كانت تتحرك أمامي بخفة وكل حركة منها كانت تعيدني إلى سنوات مضت .
-- عزيزتي رأيتك تخفين شيئا البارحة .
-- أتقصد عشبة الخلود ؟ أنا لم أخفها ، كنت فقط أحاول التخلص منها .
لا أدري كيف تقبلت الأمر في البداية ، فقد كان تركيزي منصباً حول العيش معها الى ما لا نهاية ، وكنت أتساءل في نفسـي هل أبقى دائمـاً هكذا أسير الخوف و الحذر ؟
دقائق مرت وأنا أستذكر حياتي معها ، لقد كانت تفعل كل شيء بلا أدنى حركة ، وتقول كل شيء بلا كلام ، ولكنها دائما هي من تتخذ القرارات الصعبة .
المهم أنني الآن في حيرة من أمري فهي بالتأكيد تنتظر ردة فعلي بالرغم من أنشغالها بأعداد الفطور ، وحتى لا أفقد السيطرة تماماً بادرتها قائلاً : --
-- حبيبتي لقد كبرنا على هذا الكلام ، ما حاجتك لعشبة الخلود وأنت تستبدلين جلدك خمس مرات في العام الواحد .
-- وهل قلت لك أني بحثت عنها ، أنا وجدتها فقط على حافة البحيرة .
-- وهل هناك من يستطيع الحصول عليها من البشر ؟ وهل من المعقول ان ( أوبانشتم ) باع السر ؟ ومن ذا الذي لا ينام سبعة أيام بلياليها ؟ .
-- كلا ياعزيزي ليس أوبا نشتم ، زوجته هي من أوصلت كلكامش هناك حيث الأعماق المحفوفة بالمخاطر.
-- أوه .. أتعنين انك أخذت العشبة من كلكامش .
-- أجل
-- ذلك الغبي ثلثيه أله ولا زال يبحث عن الخلود ، وأنت يا ليليت لقد طفح الكيل ، ولم أعد أحتمل مثل تلك الأفعال ، في البدء أخرجتِ الرجل الحكيم من بستانه ، ثم حشوتِ عقل أنكيدوا بأوهام فارغة ، والأن تثأرين لعشتار ، ما شأنك أنت وكلكامش ، أنسيتِ لما نحن هنا ، هل غيرتك أجواء الأرض وأعتقدت بأنك الفاتنة فقط على هذا الكوكب ؟
-- كلا لوسيفير يبدوا أنك أنت من تعتقد بأنك سيد العالم ، وغرك سماع الناس لكلامك الجميل ، هكذا أنتم معاشر الملائكة الهابطون ترددون نفس الكلام ، ولا تتحملون نتائج تصرفاتكم ، عندك العشبة خذها لمليكك الحكيم ، وتناولاها معاً فما عدت أحتمل هذه السخافات .
-- ليليت ، من واجبي أن لا اتدخل في شؤون الإلهة ، ولكنك جريئة أكثر مما ينبغي ، فتعالي معي الى ملك أوروك ولنحسم هذا الأمر الى الأبد .
وعلى بوابات المدينة أستقبل حراسها الكروبيين لوسيفير وزوجته بحفاوة بالغة وأجلساه في منصة كبار الضيوف في قاعة العرش
-- ليليت ، يبدو أن الأمور تغيرت ، شوارع أوروك تبدو هادئة ،والكل منشغل للسفر ، ربما . هكذا توحي وجوه المارة .
-- العمل في الأسوار لم يتوقف منذ ألفي عام ، وأشجار الأرز زحفت الى وسط المدينة ، ولأول مرة لم اعد أميز بين شجرة الحياة وشجرة معرفة الخير والشر ، يا ترى ما الذي حصل عزيزي ؟
في هذه اللحظات يبدوا أن الجموع أكتملت داخل القاعة ، وسرعان ما ظهر كلكامش وخلفه المئات من الحاشية الملكية وهم يحملون صناديق مقفلة ، أخذ مكانه وسط القاعة وبدأ يتلو قصيدة طويلة كتبت على صحائف جلدية .
وأغمض الحضور عيونهم ، حين أخذها الكاهن الكبير ، ليختمها بخاتمه الفضي وليخفيها تحت ملابسه ذات الأكمام الطويلة ، ثم أنحنى الجميع للكاهن ، وبسرعة عجيبة بدأت الجموع تتفرق ، تداركت نفسي وأسرعت بين أمواج الحشود المتشابكة بأتجاه كلكامش .
-- ليليت أين الجميع ؟ أين ذهب الرجل الحكيم ؟
-- لوسيفير ... لوسيفير .. لنخرج بسرعة الى شوارع أوروك .
لا أدري كيف اختفى الكل ، الطرق فارغة ، والأبواب مقفلة ، هل نحن عالقون داخل المدينة ، أين الجميع ؟ أين صديقي القديم الحارس خمبابا ؟ هكذا كنت أحدث نفسي ، قبل أن تطرق سمعي تلك الكلمات ،
-- أتقصد خمبابا المهرج !!
لقد كان الصوت متهكماً ، ويبدوا أني تعرفت على صاحبه بسرعة ، ولكن فرحتي بوجود شخص ثالث في المدينة ، وذكرياتي عن وحش الغابة العملاق ، جعلتني ألتقط الأنفاس قبل أن أجيب :
-- أخيراً وجدت من أتكلم أليه ، أين ذهب الجميع يا سيدي الكاهن ؟ لقد جئت لكلكامش بعشبة الخلود ، ولكنه لم يكترث بي ولم يكلمني حتى .
-- حسناً أنت الأن تلعب دور الرجل الطيب ، هه ، وفر عليك التعب ، وحاول أن تصنع من العشبة حساء لذيذاً ، لك ولزوجتك الفاتنة .
-- هل ترى الوقت مناسباً للمزاح سيدي ؟
-- ألا تفهم ، لقد رحل الجميع الى العالم الأخر ، وأنا وحدي من سينتظر . اذهب الأن وأعتني بنفسك جيداً .
في طريق العودة تحدثت وليليت في الأمر، وكلانا لم يعرف بالضبط ما الذي حدث ، وفي مساء نفس اليوم وبعد تناول الحساء ، زحفت التجاعيد على وجه ليليت . وحين صحوت في الصباح الباكر ، وجدت قربي على السرير ثياب بأكمام طويلة وقصائد مكتوبة على جلد نزع للتو !!
الأخ الأديب أحمد العبيدي :
نص قوي مفعم بالحيوية
انحدر من على متن ثقافة شخصية عميقة
أحسنت توظيفها في النص
أسجل إعجابي الشديد بهذا النص
مودتي أخي العزيز
و أرجو أن نتواصل