الغروب
ها هو النهار يوشك على الافول , او كاد ,,, والشمس تربت - مواسية -على كتفي التلال المحيطة بالقرية الغارقة في الظلال,,, وهي تقسم على العودة غداً ,,, وطيور تسرع الى اعشاشها تحط هنا وهناك في اعالي اشجار التوت , وقد تعالت اصواتها إيذانا بحلول الظلام .
أجراس ,وأصوات كلاب الرعاة وقد انحدروا بقطعانهم من التلال الى فضاء القرية كجيش يزحف مع ازدال الليل لأستاره السوداء ,,,فوهات حمراء كبراكين صغيرة تصارع الظلام وهي تنفث بشررها , ورائحة الخبز الطازج من تلك التنانير المتناثرة تعبق في جو القرية ,, ايذانا بوجبة العشاء المبكر كحال جميع ابناء القرى , بعد كدح النهار في الحقول والمراعي .
الله اكبر , الله اكبر,, تصدح من مأذنة القرية اليتيمة في مسجدها الذي يتوسط البيوت ,,, وكدجاجة - تحتضن صيصانها بحنان - يجمع التل الكبير تلك البيوت الطينية المنتشرة حوله , والمدرسة الصغيرة التي بناها ابناء القرية لتعليم ابنائهم ذات الصفوف الاربعة والمعلمًين فقط احدهما من أبناء القرية ,,
كانت المسافة من بيت عمي المقيم في القرية و المقهى تتجاوز المئة متر وعلى قوله(شمرة عصا ) خالية تماما من المارة وكلاب تروح وتغدو وكأنها قوات مكافحة الشغب وقد احتلت القرية الغارقة في الشخير,,, لم يدم مكوثنا في المقهى سوى دقائق , فلدى الزبائن موعد مع فجر جديد وعلى قول عمي , الحيوانات لا تحتمل جوع الليل , وعليهم اخراجها الى المرعى مبكرا
استقبلتنا جدتي على باب الدار وهي تشكو من السهر وان النوم يجافيها بسبب الم المفاصل المزمن ,,, بسطوا لي الفراش على ما يشبه السرير لكنه كان مرتفعا , تجنبا للأفاعي التي قد تخرج في الظلام ,, او هكذا زعموا لغاية في نفس يعقوب,,
اغرب ما رأيت تلك الليلة طريقة ابناء عمي الفريدة في النوم,, فقد بعثروا سياراتهم البيك اب متخذين منها اسرة ,, في تلك الباحة الكبيرة ونصبوا الناموسيات الملونة فوقها ,, والتفوا مع زوجاتهم على ظهر البيك اب !!غارقين
في العسل,, ساعتها افتقدت اوراقي وحاسوبي العزيز ,, وسط قسوة البعوض,, وانين الذئاب البعيد خلف تلك التلال التي فارقتها الشمس قبل سويعات .
فجأة ,, ومن غير سابق انذار تغيرت وتيرة النباح , بعد ان كان رتيباً هنا وهناك , وتحولت السنفونية الى اوجها حين تزايدت مصادر الاصوات حتى ان لبعضها بحة غريبة تدل على انها لكلاب كبيرة احيلت على التقاعد, وها تم استدعاؤها لظرف طارئ.
اعتدلت في سريري لأستل سيجارة من العلبة الجديدة , وانقطع لحن الشخير القادم من النائمين في الجوار ,,, وتململت الناموسيات من على سيارات البيك اب ولكن لا احد يبادر ولو بكلمة ,, كحذر الصيادين وهم ينصبون كميناً , همهمات واصوات احتكاك حديد مكبوتة من اقسام البنادق التي كانت ترقد بسلام تحت الفراش ,, ارتفعت اصوات جوقة الكلاب لا بل ان بعضها اقتحم باب الدار الكبير وهو يصدر عواء غريبا وكأنه يحاول ايقاظ النائمين ,,,ولمن عاش في الارياف فترة طويلة قدرة على تمييز صوت الكلاب طبعا ,, قفز عمي الكبير من فراشه متمنطق بوشاح رصاصاته وبندقيته القديمة وتبعه الجميع ,, حتى ان البعض اخذه الحماس فلم يكلف نفسه الخروج من الباب الرئيسي بل قفز السياج الى مراح الغنم تتبعه الكلاب وتتقدمه احياناً لتدله على المكان الذي كسر اللصوص منه سياج المزرعة كي يخرجوا عشرة من افضل الاكباش ,,, ارتفع الصياح وتطاير الرصاص في الهواء طبعاً ,, وكأن ايعازاً صدر لجميع من في القرية الصغيرة بأطلاق النار ,,, من هنا وهناك توافد الرجال وهم يحملون انواع البنادق ,, وكل مجموعة جديدة تردد : ثبّت ,, ثبّت , ويرد الجمع حيّوا ,,حيّوا وكأنهم اتفقوا على كلمة سر بينهم في مثل هذه الظروف .
ابتعد الشباب كثيراً وهم يطاردون اللصوص ,, بينما عاد الكبار وهم يسوقون الخراف المسروقة الى مهجعها وقد استقبلها باقي القطيع بثغائه , فقد تركها اللصوص مع احذيتهم وكل ما يثنيهم عن الهرب للخلاص بأنفسهم وهم يلوذون خلف التلال .
تحلّق الجميع حول النار يتضاحكون ويتصايحون بأصوات ايقظت حتى الاطفال فخرجوا من تحت الناموسيات كجراء صغيرة ,, ظنّا منهم انه الصباح ,,, ودارت صينية الشاي الكبيرة والخبز المشوي على النار بين الحاضرين ,,, وصوت الكلاب وقد عاد الى رتابته وكأنه ينقل الخبر الى القرى المجاورة ,,,
والشمس توشك ان تفي بوعدها في البزوغ