هل يحق لي أن أعترف.. هل يحق لي أن أبوح وأجاهر بما يكتنزه قلبي.. أم أن الاعتراف سيكون الضعف.. اكتب كلمات مبهمة خلف هذه الورقة التي طويتها مرارا ودسستها في جيبي بخجل..
أعاود قراءتها كل يوم، وفي كل لحظة تمر فيها ذكراه.. مكتوبة الكلمات بحروف مهزوزة كأنها كتبت على عجل منه.. أطالع هذه الورقة كأنها الحلم الواقع، كأنها الشمس والقمر اجتمعا في مكان واحد لتنيرا طريق درب خاص بي أعيش في عالمه..
قرأت ما بها.. تقول هذه الكلمات "أحبك وسأضل على هذا العهد"، لا أعرف كم من مرة قرأتها إلى الآن، أحسب كل حرف فيها بنبضة مني ومن قلبي الذي يدق لحنا فرحا لذكراه..
أحبه، سأعترف الآن خلف هذه الورقة التي تحير كل من في البيت، يتهامسون حولها، والتي يعتقدون أنها قد تكون سحر ما قد دس لي.. يقولون "ما سر هذه الورقة؟ وسر اهتمامك بها؟، التي تحتفظين بها طوال هذه المدة".. اسكت، وتعلو وجهي حمرة، "فيقولون ما بك؟!"، أجيب "لا شيء"، ولكنها "ذكرى إنسانه عزيزة علي"، فيتناسون أمرها، لأهرب مسرعة لأختلي بها وأعيش معها..
وتمر الأيام، وتدور همسات في البيت، تلتقط أذني بعضا من الكلام، "لقد أتى شخص يريد أن يتزوج بسعاد، أختي التي تكبرني بثلاثة سنوات، سعاد تلك الفتاة الخجولة الحساسة الانطوائية ستتزوج، "من هو سعيد الحظ الذي سيتزوجها؟"..
لأول مرة أحس بشعور السعادة يغمر منزلنا، الذي أصبح كخلية نحل، منظم الترتيب، والإعداد، والتجهيز، استقبالا للضيوف، في أول فرحة تدخل بيتنا الصغير لتغمره..
في هذا اليوم المميز كنت منشغلة في إعداد سعاد، وقد تمنيت في هذه اللحظات السعيدة أن أكون مكانها، ويكون هو بجانبي، حقا "أتوق لرؤياه، والعيش في قفصه، وأن أتوج يوما أميرة في قصرِه"...
كنت أرى ابتسامة الخجل والفرح مجمعته في وجهها الجميل، التي أفهمها وتفهمني، نتشارك همومنا ومستقبلنا، "ولكنني لم أبح لها بسر الورقة أو بصاحبها"، وكانت هذه هي سر اختلافنا في الفترة الأخيرة، ولكنني في هذا اليوم، يوم خطبتها تعاهدنا أن نترك كل شيء خلف ظهورنا..
لبست سعاد فستانا ورديا رائعا، ولقد ساعدتها في وضع "الرتوش" البسيطة على وجهها، الذي لا تشوبه شائبة، بتقاطيعها الدمثة البريئة، فازدادت جمالا نابعا من داخلها الصافي..
ولبستُ ثوبي، وأمسكتُ يدها الراجفة، لأدخلها إلى الصالة التي كانت تعج بأهلنا، لأفاجأ بالطامة الكبرى التي كان وقعها علي كالصاعقة، التي أفقدتني صوابي، بأن من أحبه، وصاحب الورق الحلم، وبطل أحلامي ويقظتي، وفارسي، "سيكون هو زوج أختي المستقبلي"....
فخارت قواي، ونقلت إلى المستشفى على وجه السرعة، فأفسدت ليلتها، التي حلمت بها.. فلم تتم الخطبة بسببي، وبسبب صدمتي، وحبي الذي بنيته على بيت من ورق انهار أمام أول تيار، وكنت أنا وحدي الضحية لا يشاركني أحد في مصيبتي إلا أحزاني، "والورقة التي أحملها بيدي"..
ومرت الأيام، والأسابيع وأنا في غيبوبتي التي خلقتها لنفسي، وعدت إلى البيت حاملة جبلا على ظهري، أجر نفسي جرا لأرمي نفسي على سريري، وورقتي، الممزقة..
دخلت عليَّ سعاد، وكان ألفَ سؤال يدور في خلدها الحائر، أشحت بوجهي عنها حتى.... "لا أجيب على سؤال صعب جوابه"، "ما بك؟!" وطلبت منها أن تتركني لوحدي، لم تيأس، حاولت معي بشتى الطرق والأساليب التي تعودتها منها.. ولكن لا مجيب مني..
فبت على هذا الحال، لا آكل، لا أشرب، ولا أنام، حياتي أصبحت لا تطاق، وبعدها ساءت حالتي سوءا..
وفي أحد الأيام، سمعت طرقا خفيفا على بابي "الذي اعتاد على بكائي ونحيبي المتواصل"، فازدادت قوة الطرق وإذ بشخص دخل واقترب مني، واضعا يده الدافئة على يدي الباردة التي لا حياة فيها.. يناديني بصوت مبحوح تخنقه العبرات، يقول لي: "سامحيني، يا حبيبتي على ما فعلت بك، فأنا صاحب الورقة التي كنت تحملينها يوم الحفل، كنت تمسكينها كأنها روحك، وكنت فاقدة الوعي لكن كنت تمسكينها بقوة وكنت تخافين عليها أكثر من نفسك، أنا صاحب الورقة التي جعل حياتك حطاما، وبدل فرحك إلى تعاسه أبدية"..
وتابع يقول: "عندما رأيتك ذلك اليوم خلت أنك ملاك منزل من السماء، بتاجك الرائع وتفاصيلك وثوبك الجميل، لم ألمح أختك سعاد ولم تلفت نظري مثل ما لفتي نظري أنت، براءتك بانت عليك، فقلت: "هل تسرعت؟ هل أخطأت؟ عندما أعطيتك أنت الورقة بدلا عن أختك، وتساءلت هل القدر أصبح فجأة رفيقا لي؟، كنت أعتقد أن الورقة قد وصلت لسعاد، ولكنها وصلت إليك"..
"كم كنت مغفلا لم أنتبه لك، ولرقتك الآسره، وإلى تعابيرك وابتساماتك التي كنت ترسلينها لي بين وقت وآخر، رسائلك الرقيقة التي كانت يداك تخطهما لي، كنت أتجاهلها، كنت أنتظر فقط ردة فعل من سعاد، وقد تحديت تجاهلها لي بأن أخطبها، وأرتاح، وأن أكسر عنادها وتعمدها تجاهلي"...
"صدقيني لم أعرف أن من حملت ورقتي التافهة هي أنت!، الفراشة البريئة، أخت سعاد"..
وبعدها.. أحسست بقطرات دمعه الحارة على يدي وهو يتوسل "أرجوك سامحيني، أرجوك لا تعذبيني أكثر، أرجوك أفيقي، وسأعاهدك إنني لن أتركك بعد الآن"...
"وتسيل دموعه بغزارة، لا أدري هل على حالي، أو على ما اقترفته يداه".. وبعد هذا الحلم، بأيام..
سمعت همهمات وضجة حولي، أحاول أن أفتح عياني، وبعد أن جاهدتها "رأيت أناس حولي أحبهم"، أفقت بعد غيبوبتي، وعدت إلى كل الواقع الذي توقعت أن أعود إليه، وهو حلم اعترافه، ولكنني أراه، لم يكن حلما، أنه واقع أمامي، أنه الحقيقة بذاتها..
قال لي هامسا: "إنني أحبك يا فراشتي البريئة"، لم أعره اهتماما.. كنت أبحث عنها بين الوجوه المحيطة بي.. أختي سعاد، أرجوك "أنا.. أنا.. لم أقصد، أنا آسـ" وضعت يدها الصغيرة على فمي لتمنع ما كنت سأقوله لها، وقالت هامسة: " ياليتك أخبرتني، لأنك من يستحقه، ولست أنا".....
هيمنت الحكائية على النص، منذ الاستهلال وحتى الخاتمة..
واستخدام لغة السهل الممتنع، بعيداً عن التوعير كان رهان النجاح.
أنا إذا حذفنا ثيمة الورقة لأصبح النص عادياً جداً.. لكن الكاتبة كانت بارعة حين جعلتها المحرك الاساسي، لتثوير المشاعر، واستنطاق العاطفة.
وكم تمنيت عدم كشف سر البطلة المقصودة الى نهاية النص وتكون ضربة الخاتمة مفتاحا للتاويل.
إلا أن النص مستوف لشروط كثيرة من اشتراطات كتابة هذا الجنس.
وقد أثار بي اشتغالات على نفس المعنى، ولكن بمبنى آخر.
تحية وإعجاب سيدتي الموقرة.
الأستاذة القديرة آمنة محمود
النص جميل ولغته عذبة
لكن وهذه وجهة نظري أنا ..قرأته من هنا
لأول مرة أحس بشعور السعادة يغمر منزلنا، الذي أصبح كخلية نحل، منظم الترتيب، والإعداد، والتجهيز، استقبالا للضيوف، في أول فرحة تدخل بيتنا الصغير لتغمره..
في هذا اليوم المميز كنت منشغلة في إعداد سعاد، وقد تمنيت في هذه اللحظات السعيدة أن أكون مكانها، ويكون هو بجانبي، حقا "أتوق لرؤياه، والعيش في قفصه، وأن أتوج يوما أميرة في قصرِه"...
وكم تمنيت لو أنك لم تستهلي بالاعتراف
اشتغال بسيط يجعله من النصوص المميزة
تقديري الكبير ومحبتي
النص جميل..فجوهره الانساني هو المحور
وتعامل الحميع بانسانية رائعة
ولا اريد الغوص في الجانب الفني وتركيبة
النص..فغايته وصلت..وهي الانسانية النقية
مع قدرة رائعة في ادارة دفة النص
الاستاذة امنة..تحية تليق بك