بسم الله الرحمن الرحيم "اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ {1} خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ {2} اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ {3} الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ {4} عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَالَمْ يَعْلَمْ {5}" صدق الله العظيم، وبلغ رسوله الصادق الأمين، صلى الله عليه وسلم لا بدَّ إذن من العودة إلى تدبر وفقه هذه الآيات القرآنية المباركة، وإلا فلا عودة ترجى من كثيرين إلى اللغة العربية، وهي منهم بَراء، ولا صلاح يرتجى لهم في الأفق، لأنَّ حال الصلة بين أكثر المنتسبين إلى هذه الأمة العربية تبعث على الأسى المُر، والكمَد الحنظل، والأسف العلقم، والحسرة الشديدة، فهم غافلون في واد، واللسان العربي مهجور غريب في واد آخر، بل إنَّ هذا اللسانَ المبين صار بالنسبة إلى بعضهم دوخة وصداع رأس، وحملاً ثقيلاً لا يطاق، وإعمال النظر فيه مضيعة وقت، وفي أعينهم هو مجرد مداد وخطوط وأوراق، وأصبح في رأي بعضهم الآخر زخرفة وعبثاً وحروفا تساق، ثم إنهم عابوهُ جهلاً منهم بقدره، وذموه ظلماً بما ليس فيه، وكان جديراً بهم أن يلقوا نظرة على بيت الشافعي إذ يقول: نعيب زماننا والعيب فينا * وما لزماننا عيبٌ سوانا ولو كان معاصراً لنا اليوم لقال مخاطباً والحسرة تعصر فؤادَه: نعيب لساننا وَالعيب فينا * ومَا للساننا عيبٌ سوانا ونحن إذ نسأل من أنزل القرآن الكريم بلسان عربي مبين أن يهديَ كل ضال سوَاء السَّبيل، ويخرجه من الظلمات إلى النور، نرى أنه كان جديراً بسائر من ضلوا أن يقدروا اللسان العربي حق قدره، لكنهم هيهَات هيهَات بظلمهم وجهالتهم أن يعترفوا بالحقيقة الناصعة، ويجهروا بالحق المبين، وهم مع كامل الأسى والأسف عن نهج سبيل الصَّواب بعيدون، ولقدر اللسان العربي منكرون، وأي وزن له في حياتهم القصيرة لا يقيمون؟ ثم كيف سيتخلصون من ضلالهم المعتم، وقد صدوا عن طريق الجادة، فيا له من لعب ولهو وعبث ومصَاب جلل، ويا له من جهل ورَجم بالغيب، وخبط عشواء، ونكران جميل طافح بغير حساب..؟ أما آن لهم أن يرجعوا عن غيهم؟ أليس جديراً بهم أن يسألوا أهل العلم في هذا الشأن، بدل تماديهم في الكذب والبهتان؟ ألم يحن الوقت بعد ليعودوا إلى رشدهم، فيقروا بأن اللسان العربي نعمة مسخرة من عند الحكيم العليم لسائر العباد بقصد تعلم القراءة والكتابة وطلب العلم والمعرفة؟ أليس جديراً بهم أن يدركوا أن اللسان العربي ما هو زينة ولا متاع تافه في حياة الإنسان، بل هو لسان مبين ينير البصائر ويصقل الأذهان؟ وإذا مَا رغب كلُّ من ضلَّ السبيل في أن تكون عودته محمُودة، فما عليه إلا أن يتدبر ويدرس بروية ودون عجلة قول علام الغيوب، بعد بسم الله الرَّحمن الرحيم: "إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ" سورة الرعد الآية 11 أخشى بعد بسط هذه الكلمات في هذا المقام أن لا يجودَ عليها كثير من العباد سوَى بأعينٍ عمياءَ وآذانٍ صماءَ، فأنشدَ مع أبي البقاء الرندي بيتَه الشعري الآتي: لِمِثلِ هَذا يَذُوبُ الْقَلْبُ مِنْ كمَدٍ * إنْ كَانَ فِي الْقلبِ إسْلامٌ وَإيمَانُ ثمَّ أختمُ بيَا حسرة على كثيرٍ من العبادِ د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي السندباد
آخر تعديل أبو شامة المغربي يوم 08-02-2010 في 01:30 PM.