القصة رقم (10)
رذاذ العيون
حدث إن جرت أمور ليست بالحسبان وانقلبت رأسا على عقب حالت دون اكتمال رحلتي عبر كتب الأقوام الخالية إلا بعضا مما حملته ذاكرتي , بيد إني سددت كل جهودي صوب مادونه أخي في دفتر حكايات وأوصاني وحفظت ما أوصاني به , وجاءت موجات الحروب المتوالية لتصدع قناعاتي أن اترك كل شيء وأذوب مع مشوارا لخوف تبلعني ظلمة الليالي وتتقيئني نهارات الارصفه المنسية ولكن بقي ديدني التدوين , لذا فأني انفلت الآن لاستوحش زوايا البيت وحدي , بعد انسكاب الهدوء في فجوات المكان وامتزاج الريح الطيبة لتلك الليلة مع همساتي التي أرسلها بحب يافع إلى أفراد أسرتي وأنا أخاطبهم : اطمأنوا .. ناموا وعالم الحلم ، لأشاكس نفسي بالكتابة عما أوصاني به أخي علّي أتنقل معه من أعلى قمة جبل ألقلعه إلى وادي السلام والملتقى في كرمة علي ولعلي أجد المبررات ألكافيه لما ذهبت إليه , وهكذا تكون الكتابة إحساسا ترتجف له علامات الاستفهام م لتثير فضولي المثخن بالأشياء, أنا لا أخفي , فمنذ نعومة محاولاتي الأولى وأنا اشعر بالحاجة الماسة للكتابة عن أمور أحسها أجزائي المبعثرة في ساحة حرب كبرى اعجز عن لمها بكل تأكيد لو لا الحرف والكلمة وعلاقة العناق بينهما ولولا سطوي المستمر على جنات نعيم الهدوء والنوم مشاكسا دائما والذي يتسبب لي بالكثير من المحن وهي أن أقول قولتي وكفى , ولما كنت وسط أمواج الحيرة حاولت الرجوع وخطواتي بحذر شديد , لأكون مع واحة الروي والحكي , لاسيما وانا في حوزتهما , والألم الذي حشّ أمعاء أخي وطرحه في الفراش , لازال محور نقطة البحث عن سر أعلم القليل عنه , ولكنني اعلم إن محنة الموت ذات عشق أسطوري لاتقبل البديل , حسنا بدأت أحط الرحال لتدوين الأسطر الأولى عن حكاية ابتسامة عشتروت والنورس المسافر بين الجبال وهي أحدى حكايا دفتر أخي والتي لازالت عالقة بذهني وأليت عدم التوقف والسبب هو سيل الاسئله الاستفهامية وهطول الأمطار حتى توازى الماء وحافة الباب حينها زغردت النجوم أنشودة المطر : ( مطر .. مطر .. مطر .. وفي العراق جوع ) نزعت إلى حال أخرى وبدأت أدعو من الأعماق ففي ثلاث يقبل الدعاء , وقت الآذان .. نزول الغيث ..الصائم حتى يفطر .. تمزقت جوانحي من حرقة الدعاء . بمحراب الخشوع ان يشفى اخي (صالح) وان يشفى وطني من الجوع , وبعد رحلة شاقة ومضنية وجدتني اكتب بنهم عن ( صالح ) ولعنة المرض تزاور يبن عينيه وأنا كمن سل سيفه لمعركة حاميه الوطيس وأثناء اللحظات الحرجة جدا تلك , بدأت جولتي الأولى في ظني البائس كسبتها , لكن ( صالح ) بقي يلازم الفراش لا يحرك ساكنا سوى تأوهات تخـــــــز القلب ..
ولان المرض والجوع يسيران بطريق الألم الواحد , تكونت صور قاتمة وظهرت تترى , ثم إن السكون توقف بانشداه الضجيج المرتقب , والدواء خرج من الدائرة بينما الطبيب بدأ ينهي العمل بصمت مريب سوى رذاذات حزن العيون التي ترقب الجسد المسجى .
كانت الكتابة تغزوني لا تحط الرحال بين الجبال والاهوار أو بين الشطوط والأنهار فقط إنما سفينتها المبحرة عبر أجواء البلاد عامة غذائها تمر النخيل , وخبز التنانير , وغزلها السمر المليح لابنتي اليافعة ( رمله ) والاتزان وعمق العينين لحبيبتي ( ك) أحبها حب مجانين ماركيز , وعنوان كتابتي الألم وزخات الانفجارات والرصاص .. أصوات الباطل وأصوات الحق , ثم يعتلق التعبير الصادق ليضيء واقعة انتحار الجوع .. الحصار .. الظلم على أعتاب ابتسامة عشتروت وزهراء وكل الفتيات بريعان الصبا , وكلما أوغلت في عالم الكتابة ارتحل ثانية كي اكتب عن مغامراتي العاطفية مثلا وأنا بأشد الحاجة لذكرها مطعمة بأريج الم الوجود تعتمر الثوب العذري , وحتما هناك مبررات تثبت صحة قولي , حاكموها إن شئتم وادخلوا في مجرات حكاياتها , إنها تروي ما يحدث في رحلتي ودفتر أخي .. أخي الذي يعلم الكثير من أسراري ويشاركني غربة الأشياء من حولي , حتى إني حاولت مكاشفته بحالاتي العديدة , غير إني قبل رحيله بقليل أحجمت لحين من الدهر , علّ السماء وهي مرصعة بالآليء النجوم الموشاة بغيوم بيضاء تزغرد بأنشودة مطر أخرى .. ( مطر .. مطر .. مطر وفي العراق (( خير )) )..