ينتابني شعور يقض مضجعي..غربة قاسية تجرني نحو الاعماق لمحيط
غربة لا وجود للطحالب ولا اعشاب فيها حتى ساحل ابحر اليه لعل مرفأ
هناك,عتمة للشمس في اعماق غربة قاسية,تختنق انفاسي,والنفس تتهكر
مما هي فيه,هناك على اعتاب المحيط رأيته يجلس على اريكة السخرية يرتشف
كأساً من عصير عشبة الخلود يسبح بمسبحة طويلة حباتها تتلألأ فيها خيبتي
وغربتي وتواريخ انكساراتي وهزائمي,كأنه من كوكب اخر,لم ارى فيه الا
العارض من الخد ,لم يكن امامي الا الابحار اليه فهو الوحيد الذي اراه في
العتمة التي انا فيهاعتمة تحجب عني وهج الشروق,ركبت مركب اليأس
وبدأت اجذف بمجذاف القنوط,واردد مع نفسي ان كسوف الشمس لا ينال
طلعتها وبهائها وخسوف القمر لا يضره ولا بأس فلولا الاحاد ما كانت الالوف,
والعين تتباهى الا بعد شم الانوف,اقتربت منه بعد ان اضناني التعب ولكني
اصطدمت بجدار هلامي,ادفعه بسبابتي وذراعي ممدودة بقوة,بدأت
اشعر باصابعي تغوص في الجدار شيئاً فشيئاً
وعندما وجد ان محاولتي ربما ستثمر اومأ اليَّ بيديه باسماً في
اشارة منه على الدخول,فجأةً وجدت نفسي اتدحرج كالكرة لاستقر
امامه,نهضت وانا انفض عن ملابسي ما علق بي من غبار الخيبة
والخذلان وقاذورات القطط السّمان لكنها ضلت عالقة على
ملابسي وفي الاذهان لكون ملابسي الرثة قديمة وكثرة الغبار
ولانني لم اغتسل بمياه نقية منذ ان امطرت على الاوطان مطر
الخنوع والخذلان وملأت الحقول بمياهها الأسنة وفاضت بها
الانهار وانتشرت الترع منها,وحبست الجداول الصافية وراحت
تغوص في جوف الارض تحتمي من طوفان المطر هذا..
حاولت ان استعيد رباط جأشي, وقفت منتصباً لعلي اخفي ملامحي
التي ترتسم عليها خطوط غائرة,ونظرة حائرة,لم يمهلني هذا
الكائن الغريب لالتقط انفاسي, ارتفعت يديه الغريبتين فهي كجذع
نخلة وكفيه السميكتين كغيمة سوداء غطت الافق..هوى بها عليَّ
شعرت ان اضلعي تتكسر وارتجاج في رأسي ..واطير في الهواء
كريشة نعام..تتلقفني هوةً سحيقة,كأني اعبر من الثقب الاسود لمجرة اخرى
...سمعت صراخ وعويل..استيقظت فكان طفلي الرضيع, كنت
مرعوباً فزعاً..تحسست يد زوجتي الجاثمة على
صدري المتعب وشعر رأسها يغطي وجهي..وفي يدي كنترول
التلفاز..وعلى الشاشة يعرض فلم..جريمة في قطار الشرق السريع
قصي المحمود