وقفتُ على الجسرِ ، ما بين كهولةِ روحٍ وصِبَا عُمْر أتقصّى طالعي ، لعََلّي أُصابُ بِمَسٍّ مِنَ النِسيانِ فَإذْ بي أسقُط في مَرْجَلِِ الذكرى . وفي فضاء الحلم بَجَعاتٌ على الماءِ يُداعبُ النهرُ روحَها فتَرقُصُ بيضاءَ لا حزنَ فيها وغانياتٌ على الضِفاف يُداعِبْنَ شمسَ الظهيرةِ يَخْطِفْنَ أبصارَ الطبيعةِ يُغْوينَ النهار بِسُطوعٍ أقوى . تَمُرُّ في خيالي الذكرياتُ تَصْفَعُني سِياطُ الصُوَر خُبْزُ القَمْحِ الأسمر الأرضُ الخضراء المراكبُ في النهرِ على مَدَى النظر. وعاشقةٌ تَغْدو وتَجِئُ كَسُنْبُلةٍ يُحَاصِرْها حَنِينُها للأرضِ حِينَ تَحُلُّ مَواسِمُ الحَصاد . أنتَظِرُها خِلسةً لَعَلّي أحْظى بِما يُقِيتُ روحي الجائعة. تَتَوّهَجُ الشمسُ فَتهْرُبُ الحِسَانُ إلى الظلِّ تَلوذُ العاشقةُ بشجرةِ تفاحٍ قريبة فَنَلتقي تحتَ الظلالِ عَلى غَفلةٍ من صَائدي الأحلام بِصَوتٍ قَلِقٍ أهْمِسُ : لَيْتَها لا تَأْفَل شَمْسُ هذا النَهار . لَمْ تَنْبِس بِبِنْتِ شَفَةْ. تَسْقُطُ تُفّاحَةٌ تُذَّكِرُنا بِبَدْءِ الحُبْ. أَأَدْلِفُ للرَمْزِ كَيْلا تَجْرِفُني الحَقِيقةُ القاسيةْ ؟ تُوْمِئُ بِرَأسِها إيجابًا . كَيْفَ أقُولُكِ ، وأنا مُكّبَّلٌ بالصمْتِ ، مَقْهُورٌ بِالبُطولةْ ؟ وَهْمٌ أنا ، أنْتِ ، ومَا هَمَّ الكَلامُ حِينَ يَنْزِفَهُ قَلبٌ واحدْ ؟. قُل يا سَيّدي ما يَجِيشُ بِهِ القلبُ فَهذا اللهِيبُ لِي حِينَ يَشْتدُّ اللقاءُ ، فَيَبلُغَ الحُلمُ ذَرْوَتَه . أأنتِ لِي ؟ لِي .... ؟ كُلّ الحَدائِقُ لي ، حِينَ أكُونُكِ . كلُّ القصائدُ لي ، حينَ أقولكِ ، كيفَ أقولكِ ؟ كل المَواكِبُ لي ، حينَ أمْضي إليكِ ، كيفَ أمْضِي ؟ أمَّا المَواجِعُ ، فهي لي ، كُلّما أوْغَلْنا في الغِيابْ . لَمْ أغِبْ ، لكِنكَ لَمْ تَتْرُكَ البابَ مُوارِبا لِتَأتينا منه الفراشاتُ ولا تَرَكْتَ الفَضَاءَ حُرًا بِمَا يَكْفي قُوتًا لِلرَحِيلْ . كَمْ قُلتُ أَنَّا سُنْبُلةٌ وأرْضٌ ، فَانْغَرِسي في صَدْري لِيَنْضُجَ خُبْزُنا الحُرُّ ؟ وكَم قُلْتِ .... ، تَمْنََعُنِي مِن الكلامِ بِأصَابِعِها عَلى شِفَاهِي، يَسْرِي في عُروقِي نَبْضُها ويَنْفَضَّ مِن حُنْجُرَتي كَلامِي المُرُّ . وفي نُدْرَةِ الأحلامِ التي تَتَحَقَقُ مادتْ الأرضُ تحتَ أقدامِنا نَشْوةً فَتَراقَصْنا بِحَذَرِ الخَائِفينَ مِن السُقوطِ في جَذْوَةِ التَمَنّي . حتّى حَلَّ مَوْعِدُ الرَحيلِ فَأَوَى كُلٌ مِنّا لِآخَرِهِ ومَضى . وبَقِينا على حَالِنا، لنا سامِرُنا الذي يَجْتَمِعُ كلّما عَاوَدَنا الحَنينُ للغِناء ويَنْفَضُّ حِينَ يَنْطَفِئُ جَمْرُ اللِقَاءْ .