(ونفس وما سوّاها ) تأمل في الأصل النفسي للذات الأنسانية على ضوء الاية المباركة
اقدم هنا فهمي الخاص ووجهة نظري كأطروحة أولية لفهم تركيب الانسان من جهة علم نفس إسلامي هذه الاطروحة قابلة للنقض أو قابلة للتوسعة او هناك اطروحة افضل منها تقدم من قبل انسان اخر ... المهم ان هذا جهد تأملي وفهم للذات ويتعرج منه تفرعات ذات صلة ذكرناها كتلميح ولم نخض فيها فنقول يرث الإنسان أصلا نفسيا (ونفس وما سواها) ابعاد هذا الأصل هما الشهوة والعقل بحيث ان النفس (مجموعة الشهوات والمحركات والنوازع والميول والطموحات) هذه الشهوات هي المحركات الأساسية لمتطلبات الحياة (زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والانعام والحرث ) هذه المحركات والأهداف مطلوبة في ذاتها وسماها القران بالمتاع المهم ان هذا الأصل النفسي يتنازعه قطبان قطب الشهوة وقطب العقل ونعني بالشهوة هنا الميل المفرط اللامقيد بمعنى اخر صورة الاشباع اللامقيدة والعقل نعني به مجموعة الضوابط العقلية وصور الأشباع المقيد فمثلا الجنس أصل بايولوجي لا علاقة له بحلال او حرام انه اصل مرتكز في النفس فيأتي الزنى ليمثل قطب الشهوة او صورة الاشباع اللامقيد ويأتي الزواج ليمثل قطب العقل او صورة الاشباع المقيد ..... هذا الأصل النفسي يصاحبه ويوازيه أصل عقلي ادراكي ( فالهمها فجورها وتقواها ) ان الالهام هنا هو ارتكاز المعارف القبلية الأولى والبصيرة الذاتية ( فطرة الله ) والشريعة والمنهج بعد ذلك ( لكل جعلنا شرعة ومنهاجا ) والمنهاج هنا يواكب مستوى تطور الذات في كل امة سبقت ويظهر امكانات الفطرة الى مستوى الكمال ( وان الى ربك المنتهى ) المنتهى في الكمال اذن يتركب الانسان من اصل نفسي تتساوى فيه نوازع الشر والخير يوازيه بعد ادراكي يبين صيغ وصور الأصل النفسي وينظمها بفعل الإرادة في اتخاذ احسن صور النظام وهو ( الصراط المستقيم ) المرهون باختيارية الانسان في طلبه الدائم ( اهدنا ) علما ان الشر طارئ على الذات لأن الاصل فيه هو الخير ( ونفخت فيه من روحي ) ان السير الحثيث نحو الكمال هو من سنن هذا الانسان المركوزة فيه ( يا أيها الانسان انك كادح الى ربك كدحا فملاقيه ) ان هذا الكدح موزع على مستويين مستوى النفس ومستوى الافاق اذن الانسان مأمور فطريا وفق الحكمة ان يستولي على ذاته وعلى عوالمه فمن ناحية استيلائه على ذاته (وانك لعلى خلق عظيم ) ومن ناحية استيلائه على الكون ( وسخر لكم ما في الأرض جميعا ) ان اللغة التي تستعرض سبل السلام والهيمنة على النفس والكون اطلق الله عليها اسم القرأن بمعنى انه حديث متواصل من قبل الله للإنسان وحوار دائم للوصول الى كماله فالقران ليس لغة عربية لأن الحقائق ليست عربية او هندية او ايطالية او يونانية وبمعنى اخر ليست هذه إمكانات لغة اتسعت لتكون وعاءا للفكر وانما الفعل الألهي استعملها استعمالا خاصا وخارقا فهي قوية بالاستعمال المهم ليس هذا محل نقاش اللغة انما اقول ان القرأن وحي في سياق لغوي يتغير مصداقه عبر الزمن والاستعداد الذهني فرديا واجتماعيا واعود لأقول ان اللغة العربية ذات استعدادات هائلة وطواعية منفردة ويبدوان التدخل الالهي له يد في بناءها تدريجيا في الازمنة التي سبقت القران ثم صاغها في كمالها كافضل استخدام لها وهي وسيلة عبرها تمثلت الحقائق الالهية ولذلك لم يقل انزلناها لغة عربية بل ( قرانا عربيا غير ذي عوج ) ومنها تظافرت ثلاثة عناصر ( الحقيقة الالهية / امكانات اللغة كلغة / الاستعمال الالهي لهذه اللغة )اذن القران حقائق ملكوتية متخصصة في الهداية ( يهدي للتي هي أقوم ) انه خارطة وجغرافية الذات والعوالم ( الحمد لله رب العالمين ) هذه الحقائق تنزلت الى ادنى صورها مع الحفاظ على ملكوتيتها بلباس اللغة ( قرأنا عربيا لعلكم تعقلون ) تعقلون حقائقه العليا ( وانه لدينا لعلي حكيم ) فصلناه لكم بيد ان الله يسوق الانسان الى هذا التفصيل عبر قراءة تفكرية وقراءة تدبرية وشدد على هذا مرارا ( افلا يتدبرون القرأن ام على قلوب اقفالها ) ( (لعلهم يتفكرون ) (كتاب انزلناه اليك ليدبروا آياته) ( الذين يتفكرون في خلق السموات والارض ) ( وكذلك انزلنا قرانا عربيا وصرفنا فيه من الوعيد ) ان القرأن هو تجلي الحقائق الألهية في صور متكثرة ومتنوعة لذلك هو حوار ذو بعد الهي دائما وابدا ولسان حاله (يهدي للتي هي أقوم ) وليس هو نص لغوي باعتبار مخاطبيه كما يقول نصر حامد أبو زيد اذ اعتبر القران نص قابل للنقاش ما دام لغويا ويخوض في التجربة الإنسانية ان القران لا يخوض في التجربة الإنسانية انه يقودها ( يا أيها الناس انتم الفقراء الى الله ) ومادام الفقر متأصلا في الذات المحدودة فهي قاصرة في النقاش في اصل الحقيقية انما سمح الله في النقاش على المصداق لا على الأصل فالملائكة حينما اعترضت سمح لهم لانهم اعترضوا على سلوك الفعل الذي سيصدر من خليفة واعترضوا لما لا يكون الخليفة منهم ولم يعترضوا في اصل جعل الخليفة اذن النقاش لو صح التعبير في المصداق والسلوك لا على اصل الوضع وحتى ابليس اعترض على افضلية التكريم والاستعداد والقابلية ظنا منه ان قابلية النار هي من تؤهله للمقامات العالية بينما الله كان يعني ويقصد قابلية الإرادة والاختيار للمخلوق الذي نسبه تشريفا اليه ( ونفخت فيه من روحي ) محل الشاهد ان الأصل النفسي للإنسان يتمظهر بقدر استعداده الملكوتي الذي يمده به القران ( سنريهم اياتنا في الافاق وفي انفسهم ) ( وزدناهم هدى )( ياموسى اقبل ) (وانك لتلقى القران ) ( هدى للمتقين ) ( وقرانا فرقناه على الناس لتقرأه ) ولاحظ في هذه الاية الاخيرة ان الانسان يأخذ حصته من التجليات في كل قراءة اذ ان القراءة هي التجليات ولما كان قرأنا اذن هو على الدوام من القراءة والحضور في كل العوالم لكن يظهر لكل بحسبه
اذن اصل نفسي وبعد ادراكي يوازيه وقران هو حوار مفتوح في كل العوالم ولكل العوالم ولأجل العوالم ( ربنا رب السموات والأرض ) هذا هو تركيب الانسان من وجهة نظر علم نفس اسلامي ولا اقول ان الاسلام يتبنى هذه النظرة كاملة انما هو فهمي المتواضع للأصل النفسي في تركيب الذات الانسانية هذا الفهم اقدمه كاطروحة ممكن ان تنقضها اطروحة اخرى او تؤكدها