بقلم الأديب: المازنى
============
لا أدرى ماذا دها الناس ، فإنه يندر أن أسمع فى هذه الأيام بزواج موفق ، فهل صار نظام الزواج غير صالحٍ لهذا الزمن؟ أم العيب فى الناس لا فى النظام ولا في الزمن؟ ولا شبهة فى أن للزواج عيوبه . فما يخلو شيئٌ قى دنيانا هذه من عيب ، وإن له لمتاعب ، وإن مسؤولياته لعديدة وثقيلة ، ولكن النجاة من المتاعب عسيرةٌ فى الحياة . وواهمٌ من يظن حمقا أنه يستطيع أن يحيا بدون متاعب سواءً تزوج أم آثر الوحدة والاستفراد . وأحسب أن كثيرين من الرجال والنساء أيضا يقدمون على الزواج وهم يعتقدون أنه صفوٌ لا كدرة فيه ومتعةٌ لا تنقص ولا ينغصها أو يفسدها شيئ ، وحلاوة لا تشوبها مرارة ، فتخيب آمالهم كما لا بد أن يحدث ، ويضجرون ويتأففون ويشكون وتتلف أعصابهم فلا تعود تقوى على احتمال ما كان ظنهم ألا يكون . وهذا شأن كل من يتناول الحياة بخفة ويواجهها بغير ما ينبغى من التهيؤ للاحتمال ، ومن الاستعداد للتشدد والجلد والمقاومة . وقد قال لى صديقٌ لى: الحقيقة أن الزواج نظام ثبت إخفاقه وقلة صلاحه فى هذا الزمن . فعذرته لأنه ممن جر عليهم الزواج نكبات كثيرة . ولكنى لم أر رأيه فقلت له: لا تغلط يا صاحبى فإن كل زمنٍ ككل زمن ، وهذه الاختراعات الكثيرة لم تغير شيئا من حياة الناس وفطرهم ، ولم تقلب الحقائق الاجتماعية ، وما خلا زمنٌ قط ممن يسعدهم الزواج وممن يشقون به ، ولا من الراضين والساخطين على هذا وغيره من أحوال الحياة ، وما زال الرجل كما كان والمرأة كما عهدها آباؤنا وأجدادنا عفا الله عنهم ورحمهم ، ومع ذلك قل لى ماذا تطلب من الزواج وأنا أقول لك ماذا ينبغى أن تبلغ به ، أو ما لابد أن يصيبك من خيره وشره .
قال "اطلب الراحة والاستقرار" قلت "إن الراحة مطلبٌ لا سبيل إليه فى الحياة ، وهى لا تكون إلا بالموت . على أن هذه لا تُعد راحة ما دام المرء لا يحسها ولا يُدرك أنه مرتاح . والاستقرار كذلك عسير لأن حياتك كلها قوامها التحول والتغير وكل ما فيك أو لك يتغير ، فكيف بالله يكون هذا الاستقرار؟ وأين السبيل إليه؟
قال "إنما أعنى الراحة النسبية والاستقرار بالقياس لحياة العزوبة والوحدة" . قلت "ولا هذه أيضا . إن الزواج ليس أداة لراحة ولا وسيلة لاستقرار أو غير ذلك مما تتوهم . وإنما هو نظام . فإذا كان يوافقك أن تحيا فى ظل هذا النظام فتفضل وأهلا وسهلا بك . ولكن يجب حينئذٍ أن تعرف أن له مقتضيات ، وأن توطن نفسك على الإذعان لها واحتمالها ....
ونتابع معا فى الحلقة القادمة