لوحة عميقة
ـ اِنهال عليها بالسب والشتم وبعبارات قاسية، موجعة مؤلمة، فتح الباب غاضباً ثم غادر المنزل، مخلفاً وراءه كمشة عيال، وبضع ليرات لن تسد رمق أصغر هم! تراجعت عن عنفوانها تحت تهديداته وأرسلت في طلب أخيها تستنجد وتطلب العطف.
اشتكت وبكت، وتألمت وثارت حتى ملأ صوتها أرجاء المنزل الصغير المكون من حجر وطين ومجموعة كبيرة من ذكريات مؤلمة.خبأتها في كل ركن وزاوية، إنها تعبت منه ومن طلباته وقلة نفقاته عليها وعلى أطفاله..
هي المرة الأولى التي تفتح أوراقها عاصفة! لم يكن يعلم بأنها تعاني من مجموعة خيبات، تدني أخلاقي وربما ربما إدمان وسُكرٌ وكثيرٌ من خمول وقلة حيلة. تألم لمصاب أخته الوحيدة المدللة التي نأت عن مجتمعها، واستسلمت للآلام.
انتصف الليل، ودخلت الطيوب أعشاشها، وسكنت أرصفة الشوارع، هدأ كل شيء، حتى ثورة غضبها وتمردها وبكاؤها..تريد أن يعود، وتعد نفسها بالصبر من جديد، وتحمل مالايُطاق منه، مرضاة لأطفالها وأطفاله! الذين توسدوا سواعدهم بد الوسائد، على أمل أن يكبرون ويتوجون صبرها عملاً ونجاحات متوالية.
صفعت الباب أيادي الجيران، لقد عاد محمولاً على الأكتاف، زوجها الذي طغى وتكبر ، عنفها وآلمها وقفت مذهولة، لم تتمنى في حياتها الاستمرار معه، سوى تلك الليلة التي شعرت بتأخيره على غير العادة، وتمنت عودته!
هاقد عاد، والكفن آخر ثيابه، وقف في وداعه أطفاله الذين سئموا تصرفاته، ورضوا بالقليل لأجل غدهم ورسم مسيرة مستقبلهم بإشراقة أمل، مع تباشير وردية كثيرة لوالدتهم التي وقفت تتأمل لحظات الوداع بكل دهشة وذهول.
توفي زوجها العنيد، والأب القاسي، مخلفاً وراءه ثروة تعد أبناؤه بتحقيق أحلامهم، ووئد بؤرات البؤس والشقاء التي عايشوها بكل ألم وحزن.بكل جنون وصبر..