بين لونٍ و لحن شعر : د. جمال مرسي تَغِيبِينَ عَنِّي .. فَيَنهَشُنِي مِخلَبُ الوَقتِ تَقتَاتُ نَارُ المَقَاعِدِ قَمحَ انتِظَارِي و تَلدَغُنِي فِي يَمِينِي عَقَارِبُ سَاعَتِيَ المُشرَئِبَّةِ مِثلِي لِوَقعِ حُضُورِكِ ، صَوتِ الأَسَاوِرِ فِي مِعصَمَيكِ ، و نَبضِ التَّمَنِّي . تَغِيبِينَ عَنِّي .. و عَينِي تُرَاقِبُ بَوَّابَةَ البَحرِ عَلَّك تَأتِينَ فِي رَكبِ أَموَاجِهِ النَّاعِمَاتِ يُزَيِّنُ رَأسَكِ تَاجٌ مِنَ اليَاسَمِينِ و يَرقُصُ .. مِن فَرَحٍ .. فَوقَ صَدرِكِ عِقدٌ مِنَ الأُقحُوَانِ تَنَامِينَ يَا عُمرَ زَادِ القَصِيدَةِ يَا بَحرَهَا كَالنَّوَارِسِ مَا بَينَ هُدبِي و جَفنِي . فَأَحمِيكِ مِن أَعيُنِ النَّاظِرِينَ لِلَونِ الضُّحَى فِي جَبِينِكِ لَونِ السَّنَابِلِ فِي شَعرِكِ الذَّهَبِيِّ و لَونِ التَّمَرِّدِ فِي ثَغرِكِ القِرمِزِيِّ و أَحمِيكِ مِن جَمرَةِ الشَّوقِ تَحتَ ضُلُوعِي و مِن حُمقِ عَينِي . تَغِيبِينَ عَنِّي .. فَأُبصِرُ أَرضِيَ غَيرَ التي رَاوَدَت قَمَراً فِي السَّمَاءِ عَنِ الحُسنِ فِي مُقلَتَيهَا و أُبصِرُ شَمسِيَ غَيرَ التي أَرسَتِ النُّورَ عُمراً عَلَى شَاطِئَيهَا و أُبصِرُ رَوضَاتِيَ الخُضرَ قَد غَالَهَا خِنجَرُ الجَدبِ أَدمَت مَنَاجِلُ نِسيَانِ مَوعِدِنَا وَجنَتَيهَا فَلا غَيثَ يَبعَثُ تِينِي و لا نِيلَ يَروِي لَظَى يَاسَمِينِي و مَا مِن عَنَادِلَ فَوقَ شُجَيرَاتِهَا اليَابِسَاتِ تُغَنِّي . تَغِيبِينَ عَنِّي .. فَيَنهَلُ صَبَّارُ صَبرِيَ مِنِّي و تَغدُو ورودُ القَصِيدَةِ شَوكاً لتنخَزَ عُصفُورَ شِعرِي ويَترُكَنِي دُونَ عَينَيكِ أَرتِقُ ثَوبَ القَصِيدَةِ أَعزِفُ وَحدِيَ أَلحَانَ حُزنِي . تَغِيبِينَ عَنِّي .. فَأَبحَثُ فِي دَفتَرِ الذِّكرَيَاتِ عَنِ الأَمسِ عَن طِفلَةٍ طَالَمَا سَكَبَت فَوقَ ثَوبِيَ أَلوَانَهَا الزَّاهِيَاتِ و فُرشَاتُهَا طَالَمَا رَاوَدَت فِي التَّخَيُّلِ وَجهِي فَأَضفَت عَلَيهِ ابتِسَامَاتِهَا الحَانِيَاتِ لِيُشرِقَ بَينَ أَصَابِعِهَا بَينَ لَحنٍ و لَونِ . تَغِيبِينَ عَنِّي .. فَأُبصِرُنِي فِي مَرَايَا غِيابِكِ كَهلاً تَخُطُّ عَلَى وَجنَتَيهِ يَدُ الرِّيحِ يَوماً جَدِيداً مِنَ المِلحِ و الجُرحِ تَرسُمُ فِي صَفحَةِ العُمرِ خَيطاً طَوِيلاً بِلَونِ ابيِضَاضِ العُيُونِ مِنَ الحُزنِ يَربِطُ قَلبِي بِحَبلِ التَّمَنِّي . تَغِيبِينَ عَنِّي .. فَأَشعُرُ أَنِّي المُغَيَّبُ مِن لَوعَةِ الفَقدِ مِن غَيرِ خَمرٍ و دَنِّ أُحَدِّقُ فِي صُورَةٍ فِي يَمِينِي أُحَدِّثُهَا فِي هُدُوءٍ أُسَائِلُهَا أَينَ أَنتِ ؟! فَتَصمُتُ تَصمُتُ تُوقِظُ طِفلَ الهَوَاجِسِ فيَّ لِيَذبَحَنِي نَصلُ ظَنِّي .