يا أم عوفٍ يا «أُمّ عوفٍ» عجيباتٌ ليالينا=يُدنين أهواءَنا القُصوى ويُقصينا في كلِّ يومٍ بلا وعيٍ ولا سببٍ=يُنزلنَ ناساً على حُكمٍ ويُعلينا يَدِفْنَ شَهْدَ ابتسامٍ في مراشفنا=عَذْباً بعلقم دمعٍ في مآقينا ويقترِحْنَ علينا أنْ نُجرَّعَهُ=كالسمِّ يجرعُه «سُقراطُ» تَوْطينا يا «أُمَّ عوفٍ» وما يُدريكِ ما خَبَأتْ=لنا المقاديرُ من عُقبى ويُدرينا أنَّى وكيف سيُرخي من أعنَّتنا=تَطوافُنا.. ومتى تُلقى مَراسينا؟! أزرى بأبيات أشعارٍ تقاذَفُنا=بيتٌ من «الشَعَرِ المفتول» يَؤوينا عِشنا لـها حِقَباً جُلَّى ندلِّلُها=فتجتوينا.. ونُعليها فتُدنينا تقتاتُ من لحمنا غضًّا وتُسغِبنا=وتستقي دَمنا محضاً وتُظمينا يا «أُمَّ عوفٍ» حُرمنا كلَّ جارحةٍ=فينا لِنُسرِجَ هاتيكَ الدواوينا لم يدرِ أنَّا دُفِنَّا تحتَ جاحِمها=مطالعٌ، يتملاها بَراكينا يا «أُمَّ عوفٍ» بِلَوْح الغيب موعدُنا=هنا، وعندك، أضيافاً، تَلاقِينا لم يبرحِ العامُ تِلوَ العامِ يَقذِفُنا=في كلِّ يومٍ بمَوماةِ ويرمينا زواحفاً نرتمي آناً.. وآونةً=مصعِّدين بأجواءٍ شواهينا مُزعزَعينَ كأنَّ الجنَّ تُسلمنا=للرّيحِ تَنشُرنا حيناً وتَطوينا حتى نزلنا بساحٍ منكِ مُحتضِنٍ=رأد الضُحى والنَّدى والرملَ والطّينا مفييءٍ بالجواء الطلقِ مُنصلِتٍ=للشمس تجدعُ منه الريحُ عِرنينا خِلْتُ السماءَ بها تهوي لتلثَمَهُ=والنجمَ يسمحُ من أعطافه لِينا فيه عطفنا لميدانِ الصِّبا رسَناً=كادَ التصرُّمُ يَلويه ويَلوينا يا «أُمَّ عوفٍ» وما آهٌ بنافعةٍ=آهٍ على عابثٍ رَخْصٍ لماضينا على خضيلٍ أعارته طلاقَتها=شمسُ الربيع وأهدته الرياحينا سالتْ لِطافاً به أصباحُنا ومشتْ=بالمنِّ تنطِفُ والسلوى ليالنا سمحٍ نجرُّ به أذيالَنا مرَحاً=حِيناً.. ونعثُر في أذيالـه حينا آهٍ على حائرٍ ساهٍ ويَرشُدنا= وجائرِ القصد ضِلِّيلٍ ويَهدينا آهٍ على ملعبٍ ــــ أن نستبدَّ به= ويستبدَّ بنا ــــ أقصى أمانينا مثلَ الطيورِ وما رِيشَتْ قوادمُنا=نطيرَ رهواً بما استطاعت خَوافينا من ضحكة السَّحَرِ المشبوب ضحكتُنا=ومن رفيفِ الصِّبا فيه أغانينا يا «أُمَّ عوفٍ» وكاد الحِلمُ يَسلُبنا=خيرَ الطِباع وكاد العقل يُردينا خمسونَ زُنَتْ مليئاتٍ حقائبُها=من التجاريب بِعناها بعشرينا إذ نحنُ مِن هذه الدنيا ضراوتُها=وإذ مغاني الصِّبا فيها مغانينا يا «أُمَّ عوفٍ» بريئاتٌ جرائرُنا=كانت، وآمِنةُ العقبى مَهاوبنا نستلـهِمُ الأمرَ عفواً لا نخرِّجُهُ=من الفحاوي ولا نَدري المضامينا ولا نُعاني طوِّياتٍ معقَّدةً=كما يَحُلُّ تلاميذٌ تمارينا نأتي المآتيَ من تلقاءِ أنفُسِنا=فيما تصرِّفنا منها وتُثنينا إنْ نندفعْ فبعفوٍ من نوازعنا=أو نرتدعْ فبمحضٍ من نواهينا ما إنْ يَرينُ علينا خوفُ منقلَبٍ=ولا نراقب ما تَجزي جوازينا لا الأرض كانت مُغوَّاةً تَلقَّفُنا=غدراً.. ولا خاتلٌ فيها يُداجينا إذا ارتكسنا إغاثتنا مَغاوينا=أوِ ارتكضنا أقلَّتنا مَذاكينا أوِ انصببنا على غايٍ نُحاولـها=عُدنا غُزاةً، وإن طاشت مرامينا كانت محاسنُنا شتَّى.. وأعظمُها=أنَّا نخافُ عليها مِن مَساوينا واليومَ لم تألُ تَستشري مطامِحُنا=وتقتفيها على قدْرٍ مَعاصينا فما نعالجُ خرقاً من مهازلنا=إلا بأوسعَ منه في مآسينا يا «أُمَّ عوفٍ» أدالَ الدهرُ دولتَنا=وعاد غَمْزاً بنا ما كان يزهونا خبا من العمر نوءٌ كان يَرزُمنا=وغابَ نجمُ شبابٍ كان يَهدينا وغاضَ نبعُ صفا كنَّا نلوذ به=في الـهاجرات فيّروينا ويُصفينا يا «أُمَّ عوفٍ» وقد طال العناءُ بنا=آهٍ على حِقبةٍ كانت تعانينا آهٍ على أيمنٍ من ربعِ صبوت=كنَّا نجولُ به غرًّا ميامينا كانت تُجِدُّ لنا الأحلامُ حاشيةً=مذهوبةً كلَّما قُصَّت حواشينا كنَّا نقول إذا ما فاتنا سَحَرٌ:=لا بُدَّ مِن سَحَرٍ ثانٍ يُواتينا لا بُدَّ مِن مطلعٍ للشمس يُفرِحنا=ومن أصيلٍ على مهلٍ يُحيّينا واليومَ نَرقُبُ في أسحارنا أجَلا=تقومُ من بَعدهِ عَجلى نواعينا يا «أُمَّ عوفٍ» كوادٍ أنت نازلةٌ=دَمْثاً، فَسيحاً، ندّياً كان وادينا في مثلِ رملتكِ الحمراءِ زاهيةً=كانت تخُبُّ «عفاريتاً» مَهارينا ومثل خيمتكِ الدكناءِ فارهةً=كانت ترِفُّ على رملٍ صَوارينا يا «أُم عوف» وما كنَّا صيارفةً=فيما نُحبُّ ولا كنا مُرابينا لم نَدْرِ سُوقَ تِجارٍ في عواطفهم=ومُشترينَ مودّاتِ وشارينا لا نعرِف الوِّد إلا أنَّه دنَفٌ=من الصبابةِ يعتاد المُحبينا فما نُصابح إلا مَن يُماسينا=ولا نُراوح إلا مَن يُغادينا يا «أُمَّ عوف» ولا تغرُرْكِ بارقةٌ=منَّا، ولا زائفٌ من قولِ مُطرينا غُفلا أتيناكِ لم تعلَقْ بنا غُرَرٌ=ولا حُجولٌ وإنْ رفَّتْ هوادينا إنا أتيناكِ من أرضٍ ملائكُها=بالعُهِر تُرجم أو تُرضي الشياطينا إنْ لم يَلُحْ شبحٌ للخوف يُفرعنا=فيها يَلُحْ شبحٌ للذل يُصمينا يا «أُمَّ عوف» أأوهامٌ مضلِّلةٌ=أمِ الأساطيرُ يُبدعنَ الأساطينا مِنْ عهد «آدمَ» والأقوامُ مزجيةٌ=خوفَ الشرورِ، الضّحايا والقرابينا أكُلَّما ابتدعَ الإنسانُ آلـهةً=للخيرِ صيَّرها شرٌّ ثعابينا!؟ يا «أُمَّ عوف» سِئمنا عيشَ حاضرةٍ=تَرُبُّ سِقْطَينِ شِرِّيراً ومِسكينا وحشٌ وإنْ روَّضَ الإِنسيُّ جامحَها=قفرٌ، وإنْ مُلئتْ ورداً ونِسرينا ضحَّاكةُ الثَّغرِ بُهتاناً وحاملةٌ=في الصدرِ للشرِّ أو للبؤس تنِّينا وخانقاً من «قراميدِ» يحوّطنا=حوطَ السجون مناكيداً مساجينا رانَ الخمولُ عليه.. واستبدَّ به=جذبُ الجواذب من هَنّا ومن هِينا ولُقمةٍ ردَّها ما نسترقُّ به=وما نكافحُ زَقّوماً وغِسلينا يا «أُمَّ عوف» وقد شِبْنا بمعتركٍ=نرعى المقاييسَ منه والموازينا عُمياً نَدور على مرمى حوافره=معقودةٌ بتواليه نَواصينا ما انفكَّ فُحْشُ تَظنِّيهِ يُلاحقنا=حتى عُدينا بفُحشٍ في تظنِّينا فما نصدِّقُ أفواهاً بألسنةٍ=ما لم يُقمْنَ عليهنَّ البراهينا ولا بأفئدةٍ حتى تُعاهدَنا=بأنَّ أنياطها ليست ثعابينا وقد يشِمْنا بِمُودٍ من مراتعنا=يُغثي النفوس ومُوبٍ من مَراعينا لا يلمسُ الروحَ فينا مَن يُصاحبنا=ولا تحدُّ حدودٌ مَن يُعادينا ولا ينمُّ بسٍّ مَن يُضاحِكنا=ولا يَرفُّ بجَفنٍ مَن يُباكينا ولا تسيلُ على اللَبَّات أنفسُنا=إلا ذِماً ثمّ تغشاها غواشينا وآنِسٌ أنْ بَئِسنا فهو مادِحُنا=أغَمَّهُ أن نَعَمنا فهو هاجينا يُضوي لئامتَه شرٌّ يَحيقُ بنا=حِقداً.. ويُسمنها خيرٌ يواتينا لم يَدْرِ أنَّا على الحالين يُرمضنا=مِن بؤس خَلْقٍ سوانا يعنِّينا وأنَّنا حين يُروي الناسَ نبعُهمُ=نُروى بنبعِ هُمومٍ فُجّرتْ فينا وأنَّنا نحسبُ الخالينَ من ألمٍ=غَرثى عفاةً وإن كانوا قوارينا لم يَدْرِ أنَّ النفوسَ العامراتُ بُنًى=تبقى على نكَدِ الدُّنيا عناوينا يا رملةَ اللَّهِ رُدِّي عن تحيَّتِنا=بخيرِ ما فيكِ من لُطفٍ وحيّينا وسامرينا فقد ألوى بنا سمرٌ=وطارِحينا فقد عَيَّت قوافينا رُدِّي بما وَهِبَته الشاءُ من وتَرٍ=إذا ثَغا ردَّدته الروحُ تلحينا ونبحةٍ من «كُليبٍ» خِلْتُ نبرتَها=من زُخرفِ القول تَحريكاً وتسكينا وخُطبة تُسمع الرهطينِ مُلْفيةً=في الذئب والحمَلِ المرعوبِ مُصغينا عَوَى هزيعاً فردَّتْ عنه ثاغيةٌ=كانت تقول لـه «آمين».. آمينا وحولَه الشاءُ والمِعزى مهوِّمةً=تُزجي الأكارع، أو تُرخي العثانينا تهَشَّ للمرج فَيناناً وتُرعدها=رؤيا تمثلُّ جزّاراً وسكينا أغفى ونَصَّبَ خيشوماً يُحِسُّ به=خُطى اللصوص ويستاف السراحينا ولفَّهُ وهجُ الأصواف يُوقِدها=عن صرِّ «كانون» تَنّوراً وكانونا ويا بساطاً منَ الخضراءِ طرَّزهُ=صوبُ الغمام أفانيناً أفانينا أوصِ المروجَ بنا خيراً لعَّل بها=من ضَنكةِ الروح فينا ما يُداوينا جِئنا مغانيكِ نُسَّاكاً يُبرِّحهمْ=لُقيا حبيبٍ أقاموا حُبَّه دينا ولاءَمتنا شِعابٌ منكِ طاهرةٌ=كما تضمُّ المحاريبُ المصلّينا لم أُلفِ أحفلَ منها وهي مُوحشةٌ=بالمؤنسات.. ولا أزهى ميادينا ولا أدقَّ بياناً مِن مجاهلـها=ولا أرقَّ لما توحيه تبيينا حتى كأنَّ الفِجاجَ الغُبرَ تَفهمُنا=والمبهماتِ من الوادي تُناغينا تجاوبتْ بصدى الدُّنيا مفاوزُها=واستعرضت منَ بني الدنيا الملايينا وانساب حشدُ الرمال السافياتِ بها=يُحصى الأناسيَّ منها والأحايينا كم لَمَّتِ الشمسُ أوراساً وكم قطفتْ=من الأهلَّةِ عُرجوناً فعرجونا وكم حوتْ من ربيع الدهر أخيلةً=فطِرْنَ رعباً، وأفراساً فعُرِّينا أحالـها النور شيئاً غيرَ عالمها=حتى كأنَّا بوادٍ غيرِ وادينا حتى كأنَّا ــــ وضوءُ البدر يَفرشها ــــ=نمشي على غيمةٍ منه تماشينا