أمضى ليلةٌ عمياء ..يفتش أروقة الدروب ،عن وجوه مضت من هنا ،في آخر أمسيةٍ، نث الغبار سمومه فوق صفحات الوجوه الكالحه ..دائرة مبهمة وجدران فقدت بريق لونها وأكتست بلون الغبار .
السماء ... والريح تعوي .. وهذا التيه . فأين أكون أنا .... كان يردد.
طرقٌ مرتاكم ..أصوات بلا أنفاس ...تمضي ثم تأتي .فيطيل النظر .. بعين ملؤها الفراغ .كنت هنا تلك زاويتي التي انفرد بها .أدفن آخر ألم يومي . أكتسبة من شظف العيش .
هناك يجلس ... شيخ كبير تحيطه صبييه صغار ...يلتهمون الكلام بآذانهم طواعيه ،لا أعرف ماذا كان يتلو عليهم .. لكني أبصر في عيونهم رضى وتلذلذ بالجلوس حوله .
وتلك النافذة . التي طالما ، نثرت فوقها باقة من أحلامي المبعثرة من زاويتي التي أدمنت الجلوس فيها وألفتني كالوديع ، وهي تحوي جسد شاخ من لضى الأماني المكبوته ... في برطمان الروح .
فمتى تبتسم ، ألواح الخشب المعلقة على النافذة التي تحبس غادة الجسد الفاتن الذي كنت ارسمه فوق أوردتي . أنها مغارة الفكر عندما ينتشي بنظرة حالمة ..وأمنية بدت مستحلية لواقعي المؤلم ..تلك الحسناء التي كنت أحزم أمتعت الشوق عازماً الرحيل حيث النافذة التي أنتصب أمامها غارقاً في لذة الحلم .. وهي تجول على مساحة شعرها المنسدل بهدوء وسكينه كالطفل .. في مهده .داعبة سلطان النوم ،
الشمس آخر جرمٌ أكتوى جسدي بناره وأكتسى بلون شعر فتاة النافذة .. فكيف السبيل وأنا أفترش الأرض وسادة والسماء دثار لي وآخر الاحلام كسرة خبز يدسها بائع الشاي في يدي . كأنها هبة السماء....
فأتلو صلاة الشكر ،عرفاناً لها لانها منحتني رمق أخير ونظرةٍ .. أطل من خلالها لجسدي الذي لاحياة فيه
فترتفع الأصوات ..والصراخ يستفيق .. من خلف عالمي . تتدافع الاجساد وتمضي فيومأ الشيخ للصبية بالنهوض والرحيل من مساحة نظري .. فلا أبصر سوى نافذة موصده وصوت يغازلني .أنيسي الوحيد في عالم مترامي محشو بالأجساد على أختلاف ألوانها .. يدنو مني .فتكاد الأنفاس يحرقني زفيرها فيعوي بصوته . كأنه يلقي التحية ، فأرفع كفي جواباً له ،بأني لازلت في الرمق الأخير
سيارة مسرعة .. أتت على آخر الانفاس ووطأت أضلع وحدتي وتركتني أتلمس الأبعاد دون وعي مني بما حدث
خمد صوت الأنيس بعدما ملء المكان ضجيج وودع قطرات سكبتها العيون . التي باحت بأسرارها للبكاء والنحيب
يا أول حزني السرمدي ..وآخر الجروح .. والصبية المتوحشة شوهت ماتبقى بعد لحظة الحق التي طالما زارتني دون أن تضع الفصل الأخير من حياة دامية ...
فآخر الوجوه مر من هنا . وكانت خلف النافذة تعلن التمرد بأيحاءات جسدية ، منتهكة ألم الجروح الغارقة في بحر من عذابات الأمس التي توارت مع أجساد الأحبة . الذين لم تزل صور الملامح تهتز طرباً في دهاليز ذاكرتي المولعة بالنسيان .