..
.قلت ..
.. الأصدقاء متى صفت ارواحهم لموجبات الصداقة ..
وتابعت جوارحهم نبض قلوبهم سعيا وعملا ؛ كانوا كنوزا جديرة بالاحتواء... وعطايا خليقة بالاعتناء ..
لا سيما من ارتبط منهم بآخِيّة الدين، وآصرة الحق،بغير تشدد ولا تكلف ..
فإنهم أفئدة بيضاء، ينعكس بياضها نورا واشراقا على من حولها وما حولها ..
وقد صدق من قال : فلا تكونن لشيء ممّا في يدك أشدّ ضنّا، ولا عليه أشدّ حدبا، منك بالأخ الذي قد بلوته في السّرّاء والضّرّاء، [فعرفت مذاهبه] وخبرت شيمه، وصحّ لك غيبه، وسلمت لك ناحيته؛ فإنما هو شقيق روحك ،وباب الرّوح إلى حياتك، ومستمدّ رأيك وتوأم عقلك. ولست منتفعا بعيش مع الوحدة. ولا بدّ من المؤانسة، وكثرة الاستبدال تهجم بصاحبه على المكروه. فإذا صفا لك أخ فكن به أشد ضنّا منك بنفائس أموالك، ثمّ لا يزهّدنّك فيه أن ترى منه خلقا أو خلقين تكرههما؛ فإنّ نفسك التي هي أخصّ النفوس بك لا تعطيك المَقَادة في كلّ ما تريد، فكيف بنفس غيرك! ..
وليكن دأبك معه صفاء ومكاشفة، بغير تلون او مخاتلة .. والمنطق الحسن يزيد في وُدِّ الصديق، ويستل سخيمة الوغِر (المحترق غيظا)
واياك وصديق الاضطرار المرتهن منك ببعض حاجته ، فمتى استوفاها طرحك وقطع حبائلك.. فليس منه لك مبذول او مأمول إلا بقدر ما يعين على اقتناص منفعته وتحصيل رغائبه. فاقطع لبانة من تعرّض وصله ، فإنه ماء مسخن ؛ متى رُفعت عنه النار برد .
واما الصديق الطائع الذي يشاكلك ويتماهي معك لفحة ونفحة ؛فاعقد عليه معاقدك ، وجازه باحسن ما اسدى إليك ، ولا تقطع إخاءه ..واحذر مِرَاءَه ولا تكثر مجادلته ؛ تنل منه صفو الوداد وزبد الاخوة ..
وإياك والملل معه . فليس لملول صديق ..
واحذر ان تُحزن من تحب .. فكثرة الحزن إيذانٌ بالتحول .. وليس صديق الرخاء كصديق البلاء..فالرخاء مهيع يسع غالب الناس .. واما البلاء فلا يحتمله الا كل ذي مروءة وعقل...
و(عدو سوء عاقل ولا صديق جاهل .. إإن اصطحاب المائق من أعظم البوائق ..)