عاش جدي عمرا ناف عن المئة وعشرة أعوام.. سألته يوما: هل ساورك الندم في يوم من الأيام؟ فأجابني عقب إطراقة صمت طويلة: نعم؛ أندم على كل ساعة نمتها في أيام شبابي!!
يا حبيبي.. لا تنمْ!
لن يدوم الليل إلاّ ساعةً..
بعدها.. يمحو الصباحْ..
وخيوط الفجر.. لذّات الألمْ
*****
وجهك الآخر.. يا هذي الحياةْ..
سوف يأتي جامداً.. مثل الصَّنمْ..
فنعاني من تماديه الرَّهيبْ..
عبثََ التَّكْرار في القلبٍ الكئيبْ
وضياعُ الوقت.. يتلوه الندمْ..
يا حبيبي.. لا تنمْ!
*****
كيف لا نمتصُّ ساعاتِ الغرامْ!
مثلما التربةُ تمتصُّ المطرْ!
مثلما الأزهار تمتصُّ الغمامْ..
سوف نفنى.. ونبيدْ..
دون أن يبقى أثرْ
سوف تستهلكنا أعمارنا
فلماذا هي تستهلكنا؟!
نحفظ الجسم.. فيفنيه الزمنْ!
فلماذا نحن لا نحرقهُ!
كيفما شئنا.. بنارٍ وحممْ!!
يا حبيبي.. لا تنمْ!
*****
ضرباتُ السَّاعة البلهاء تُدمي في الفؤادْ
إنَّها تحمل فأساً قاطعهْ..
بأكفٍّ بارعهْ
حطِّمِ الجسم بحبٍّ.. وودادْ..
بعناقٍ.. واحتراقٍ.. وسهادْ
لا تدعْ قتلي لأنياب المحنْ!
حين لا بدَّ من الموت.. فقمْ..
واعْطني.. يا قاتلي.. موتاً حسنْ
يا حبيبي.. لا تنمْ!
*****
إنَّما النَّائم ميْتٌ.. وحرامٌ أنْ نموتْ
وحرامٌ أنْ تذوقَ الموتَ أجفانُ الشَّبابْ
فشبابانا لإنعاش الهوى..
لا لموتٍ خُلِقا!
دعْ يدي كالطَّير.. تغدو وتؤوبْ..
قبل أنْ تحرقها نارُ الزمنْ!
دعْ فمي في نشوة الخمر يذوبْ
قبل أنْ يَلْحََفَهُ برْدُ الكفنْ!
ضمَّني.. واعصرْ شبابي.. طالما
لم يسِلْ من جوفه.. ذاك الألمْ!
لا تذرْ للجوع في صدري رسوماًَ ودِمَنْ!
ضمَّني.. آهٍ حبيبي ضمَّني!
خيرُ دربٍ.. للفناءْ..
أن يجيءَ الموت من عشقٍ.. وضمْ.
يا حبيبي.. لا تنمْ!
*****
فغدا.. يدركنا برْقُ المشيبْ
ذلك المنسابُ في ليل المغيبْ
بعده.. يهمي المطرْ
وخيول العمر يُعييها السَّفرْ..
فيصير الصدر قبراً.. وأمانينا حُفرْ..
لا يواسيها القمرْ
أهِ من أيَّامهِ.. ذاك المشيبْ!
إنَّني أسمعه يأمرني..
باكتفاءٍ وحذرْ..
وبقايا تدَّخرْ
لا تخبِّني لهُ!!
واعْتصرْني.. وأنا غصنٌ رطيبْ
لا تدعْ فيَّ مياهاً.. وثمرْ!
واقذفِ الأحشاء في جوف اللهيبْ!
سوف لا أبقي له غير الرِّممْ..
سوف لن يبقى له إلا الرِّممْ
يا حبيبي.. لا تنمْ!
*****
***
*
نبيه السعديّ
آخر تعديل نبيه السعديّ يوم 12-19-2010 في 01:22 PM.