فرج الحوات شاب مشوب بالغموض ، سماه كمباري فيمابعد( الكاردينال الصامت )ولااحد من الشلة يعلم سبب التسمية ، فرج الحوات رمت به المقادير شرطيا في بنغازي يعمل في النقلية بالريمي ، هاديء ، صامت ، فارع الطول ، احيانا يرتدي اكثر من لباس واكثر من جورب واحد ليوحي للناس بأنه اكثر بدانة من وزنه الحقيقي ، مُثقف يقرأ دائما الروايات الكلاسيكية القديمة وجد فيه احميدة دفء افتقده دائما ، عرفه على الصادق النيهوم واحضر له الشيخ والبحر وعمال البحر قال له : انت تجلس هنا في قلب هذه الشلة التي لاتعرف عن البحر اكثر مما يعرفه العاديون ، لابد ان تتعرف على البحر وحكاية سانتياجو مهمة للتعرف على هذا الهدير الغامض ، ورواية عمال البحر هي بذات الاهمية ، فرج الحوات لم يتزوج بعد يأتي الى الشلة بدراجته ويبقى حتى اواخر الليل ثم يعود إلى الريمي ، واحيانا يغيب عنهم عندما يذهب الى شقيقته المُتزوجة من احد ضباط الجيش وتسكن في راس اعبيدة بالقرب من معسكر الامداد ، حياته قضاها في القراءة والصمت المُريب ولم يجمعه بالشلة غير بنت البحر، له اراءه وتعليقاته حول الشلة التي يبديها بإقتضاب شديد لكنه يحاول دائما الا يخسر علاقته بأحد.
• البحر غادر، البحر اعمق اسرارا من الانس والجان ، البحر عدو وصديق ومريد ورفيق جميل احيانا ، هذا مايقوله ، فرج الحوات ، والده كان بحارا قديما في بنغازي تزوج سيدة من عائلة البراني وبعد سنوات من الحرب العالمية الاولى اضطر لمغادرة المدينة بعد ان اصيبت بوباء هرب منه مرتعباً إلى سوسة المدينة الصغيرة الجميلة على شاطيء البحر ، زرقاء اجواءها مثل بحرها ، شقراء ايضا كما يقول ، فرج الحوات مثل سكانها الذين اتوا اليها من جزيرة كريت .. ، فرج الحوات لايتواءم مع الشلة في تفكيره ، لكن ركن بنت البحر وجد فيه مهرب من احزانه التي لا تُحصى ، هو جُذع من نخلة بنغازية ، اراد ان يُقاتل وحدة اليتم لكنه فشل ، فشل لانه بدون رأسمال بعد ان الم الفقر بوالده في سوسة ومات في غرفة نائية على الشاطيء بعد ان باع كل ما يملكه بسبب سهراته التي تعرف عليها كما تعرف على زرقة اجواءها وشقر اركانها ، تلك هي تصاريف الحياة كما يقول ، فرج الحوات ، لذلك ايقن بغدر البحار و ان القراءة هي الملاذ الوحيد للتعرف على الاعيبه حتى لايقع في حفرة ابيه !! تلك الحفرة التي حولته من مليونير إلى صعلوك ومن مورد للتبغ من الجزر اليونانية إلى بائع اصداف عند صخرة الموت التي لقى حتفه بقربها .
• غاب كمباري لعدة ايام لم تنتبه الشلة في البداية ظنوا انه كعادته في رحلة بحرية وربما ستطول لان كمباري قال لهم ان رحلته القادمة إلى بحر الشمال ، لكن الاجابة لم تتأخر كثيرا فقد جاءت الشرطة بعد يومين من غيابه وقلبت الكوخ بحثا عنه ، قيل لهم انه قام بلكم احد الاجانب ، وطالت غيبته وغابت اخباره ايضا ولم يعد الى الشلة واغلب الظن انه لم يعد في بنغازي ، لقد هرب كمباري .
• مجتمع صغير صنعته هذه الشلة بحجة بنت البحر ، لكن الحجج قد تتراكم ، هناك الملل والوحدة والشعور بالاغتراب والوحشة كما يقول ابوالفشنك الصعيدي الصعب المراس الذي كان يؤكد دائما انه من بني مر وهو رجل مر مثل عبدالناصر تماما كما يصف نفسه في اوقات السمر والنشوة ، لكنه عندما يواجه نفسه يقول اشياء اخرى ، يتبرأ من كل جذوره ، هو الآن ابن توريللي ولايعرف غيرها ، ولكنه احب توريللي وتعاطي معها وكأنها أمٌ رؤوم كما يكرر له جاره حميد العريبي الذي يحبه كما يحب توريللي ، ابوالفشنك له وضع خاص في الشلة لانه المكتشف الاول لبنت البحر ولولاه لما التقى هذا الجمع الرقيق كما يقول التشوش في شعره العامي
• التشوش شاعر في حروفه ملايين السرد عاش ظروفا صعبه ووسط صعب ومُحيط اصعب على قمته أبٌ هو الآخر صعب المراس لايوجد ابجدية للحوار معه ، الحنان يعتبره نوع من الضعف والفضائح لذلك هو مدفون في اعماقه ، لايفضحه احيانا الا بريق عينيه من بقية دموع سرية لايسكبها امام الناس ، و التشوش يحب البحر ويناجيه ويسكب على اطرافه اسراره التي لايبوح بها الا لنفسه ، ولذلك كانت الشلة تطلب اليه ان يقرأ لهم مرارا حكايته مع البحر واسراره :•احميده الفايح كما يسميه كمباري احيانا (عندما يكون حانقا) بسبب اطواره الغريبة في الانكباب على القراءة مع فرج الحوات واحيانا امبية، عندئذ يقول كمباري :
• - بدأ طابور احميدة الفايح .
• ذلك لانهم كانوا يأخذون مكانا قصيا عن الشلة ويبدأون في التهامس.
يتــــــــــــــــــــــــــبع
رغم أنني أحفظُ أجزاء الحكاية في ذاكرتي إلا أنني أستمتع بإعادة قراءة أجزائها جزءاً جزءاً
لا أعرف لماذا تصر تلك العبارة من الأجزاء اللاحقة على الظهور هنا : ( بنت البحر تبقى بنت البحر ) ! ما أجملها من عبارة.
أستاذي العزيز
دام لك الألق
شكرا لانا على سرعة التعليق..بنت البحر هي البدء ، لكن الانسان كالأفعى كما يقول نيتشة لابد ان يتغير جلده حتى لايهلك ، او لايعود بشراً..احييك
سؤال : كيف تكوني غير متواجدة ومع ذلك تعلقين؟؟ليتني اعرف هذا السر؟؟
عزيزي الأستاذ محمد السنوسي الغزالي
كنت هنا أتابع تفاصيل الحكاية
من القلب شكرا لهذه المتعة التي أشعر بها حين يتجلى سحر كلماتك
دمت بخير أستاذنا
محبتي وتقديري