عاش والدي الكاتب إدريس بنيونس ( 1942 _ 1987 ) و مات مجهولا رغم إصداره لرواية و مسرحيتين رائعتين لم تحضيا بالاهتمام .
و عليه، فان شهرته لم تتجاوز الحدود المغربية و لم تسمع به النخبة المثقفة في المشرق العربي. و سأقوم بكتابة سيرة أبي للتعريف به و محاولة نفض الغبار عن ذكراه.
كان والدي و منذ طفولته مولعا بقراءة الروايات و القصص و كل ما يقع تحت يديه من كتب و مجلات. كان يجمع مصروفه البسيط الذي يأخذه من جدي لشراء الكتب و إرضاء شغفه.
عند بلوغه سن العشرين ، كتب أول قصة قصيرة له مستوحاة من أحداث حقيقية و أرسل محاولته الأدبية لإحدى الجرائد المغربية. عشرة أيام بعد ذلك، جاءه الرد من المسئول عن الصفحة الثقافية في المجلة يخبره أن قصته القصيرة ستنشر قريبا متمنيا أن لا يبخل عليه بجديده الأدبي.
نشرت أول قصة لوالدي إدريس بنيونس و لاقت استحسان القراء و المهتمين بالحقل الأدبي. حتى أن احد الكتاب علق عليها قائلا أنها تنبؤ بكاتب سيكون له شأن في الأيام المقبلة.
نشر إدريس بنيونس عشرون قصة قصيرة بالضبط في هذه الجريدة و شارك في إحدى مسابقات القصة القصيرة . حصل على الرتبة الثانية من بين مئة و أربعة و عشرون أديبا ناشئا. عندها بدا في التفكير بكتابة أول رواية له ليقتحم عالم الأدب من بابه الواسع.
نشر الكاتب الشاب روايته الأولى و المعنونة ً أحلى الأيام ً في صيف سنة 1972 . ولكنها فشلت فشلا ذريعا. لم تتجاوز مبيعات هذه الرواية الثلاثة مائة وستون نسخة و قال عنها احد النقاد أنها تفتقر إلى الحبكة و الخيال و ضعف في رسم الشخصيات بشكل يسمح للقارئ تتبع الأحداث ( قرأت الرواية في بداية التسعينات من القرن الماضي و استنتجت أن حكم هذا الناقد و غيره لم يكن ظالما.، بل يصب في الصميم )
بعد هذا الفشل الغير متوقع ، وأد الكاتب الشاب كل أحلامه الأدبية و كسر قلمه و اقسم على تطليق الكتابة و التأليف إلى الأبد. حاولت أمي المسكينة التخفيف عنه و تشجيعه بقولها أن فشل أول محاولة لا يعني بالضرورة أنه غير موهوب. لكن والدي قابلها بآذان صماء.
و لكن بحلول صيف سنة 1979 ، أي بعد مرور سبع سنوات على فشله الأول ، سيعود الكاتب إلى مضمار الكتابة. ألف والدي مسرحية اختار لها عنوان ً الجار الجديد ً و نشرها باسم مستعار : ً عبده ياسين ً.
لاقت المسرحية نجاحا منقطع النظير و بيع منها حوالي ثمانية مليون نسخة و ترجمت إلى أربعة عشرة لغة. كتبت حولها ثلاثة أطروحات لنيل الدكتوراه في الأدب في كل من جامعة السوربون بباريس و جامعة دمشق و جامعة القاضي عياض هنا بمراكش. و رغم هذا النجاح الساحق، بقي والدي في الظل و لم يعرف أحد من الصحافيين و الأدباء الهوية الحقيقية للكاتب المجهول.
سنتين بعد ذلك ، كتب والدي مسرحيته المشهورة عالميا ً البديل ً ( و دائما بإمضاء عبده ياسين ) التي لاقت نجاحا أكثر من سابقتها و ثم اختيارها ضمن 100 أفضل عمل أدبي في القرن العشرين . ( برمجتها وزارة التربية و التعليم في المغرب في مقرر المؤلفات لطلبة الباكالوريا آداب و ذلك ابتداءا من سنة 1996).
و منذ هذه الفترة ، أي ربيع سنة 1981 ، بدأت الأوساط الأدبية المحلية و العربية و العالمية تتساءل عن هوية هذا الكاتب الذي يوثر البقاء في الظل و لا يريد أن يكشف وجهه و شخصه إلى الصحافة ( ربما لخجله الشديد كما فسر أحد الصحفيين ) لدرجة أن احد النقاد المصريين البارزين أطلق عليه لقب ً كاتب بدون بطاقة التعريف ً
وقد كانت والدتي خلال هذه الفترة تحثه على إخبار العالم بحقيقة الكاتب عبده ياسين. و لكن كان دائما يقابلها بابتسامة على شفتيه و هو يردد : ليس بعد..... ليس بعد .
في ربيع سنة 1984، نشر والدي ثالث مسرحية له تحت عنوان ً عودة من المنفى ً . و لكن هذه المرة ، كانت موقعة باسمه هو ، أي إدريس بنيونس، ليتبث للعالم و للذين حكموا عليه بالفشل في روايته الأولى أنه موهوب و كاتب كبير. كيف لا و هو صاحب مسرحيتين تعد من تحف الأدب.
ولكن كانت المفاجأة صادمة له بفشل مسرحيته الجديدة والتي لاقت نقدا لاذعا بالرغم من روعتها و حبكتها.
لماذا فشلت؟ رأى النقاد في الكاتب إدريس بنيونس مجرد ً كاتب فاشل يحاول خطف الأضواء إليه بتقليده للمسرحي العالمي عبده ياسين ً
أجابهم والدي عبر عدة منابر صحافية أنه هو نفسه عبده ياسين و انه أراد أن ينيط اللثام أخيرا عن حقيقته ويعيد الاعتبار لنفسه. و لكن النقاد تجاهلوا ً ادعاءاته و افتراءاته ً قائلين له أنه سيأتي يوم يظهر فيه الكاتب عبده ياسين أمام عدسات الكاميرا ليكذب ادعاءاته. أخبرهم والدي أن لا وجود لكاتب يدعى عبده ياسين. هذا مجرد اسم مستعار اتخذه هو لحظة عدم ثقة في ذاته و كتاباته و خوفه من النقد و الفشل مرة أخرى بعد روايته الأولى. و لكن تفرق النقاد و الصحفيين من حوله دون سماع دفاعه عن نفسه و عن حقه.
ليبرهن للجميع أنه هو نفسه الكاتب المعروف عبده ياسين، كتب مسرحيته الأخيرة ٌ الحقيقة المرة ً و بعث بها إلى دار النشر. و لكن ، لن يعيش والدي إدريس بنيونس حتى يشهد صدور مسرحيته الأخيرة. فقد أصيب بالسرطان و وافته المنية في 14 مارس من سنة 1987.
خرجت المسرحية للوجود و قد أثنى عليها بعض النقاد بالرغم من قولهم أنها ً تقليد متقن ً لأسلوب و طريقة كتابة الكاتب العالمي عبده ياسين. أكدت لهم أن لا وجود لشخص يدعى عبده ياسين و أن والدي إدريس بنيونس هو الذي كان يكتب باسمين مختلفين. و لكن دون جدوى.
والآن، أنا بصدد كتابة بحث طويل أشرح فيه بالتحليل و الأدلة أن الكاتبين الاثنين هما مجرد شخص واحد حتى أعيد الاعتبار لأسم والدي و يعرف أخيرا الاسم الحقيقي لمبدع التحف الأدبية.