أتقن وصف النهود والأرداف حتى فاق شعره حد الإباحة ، وكلما قرأنا له نصًا جديدًا توسمنا خيرًا بأن يكون حاله قد انصلح وملكة إلهامه عادت لرشدها وعدلت عن مسارها الشهواني .
إلا أن جديده يفاجئنا بوصفٍ أدق .ويدافع شاعرنا عن قصائده أن تلك انزياحات لغةٍ ناضجة و أنه يجسد حقيقة الإنسان العارية ويكسر التابوه المحظور من خلال تجسيد المشهد الجنسي بين الرجل والمرأة.
وعلى ما يبدو إن الرجل قد بلغ من العجز منتهاه فبات يعبر عن معاناته بالكلام ما دام الفعل ليس متاحا . عتبت على مهاجميه بأن عليهم تقدير ظروفه ، فلا يرحمونه ولا يعطونه الفرصة لكي يرحم نفسه بالشعر!.
بلغني أنه سيكتب قصيدة تمدح موقفي وأكون بطلها ، وبدأت أتصور الدور الذي يمكن لشاعر مثله أن يختاره لي في القصيدة .. ( سلّم يا رب )
*****
(2)
رأيته مرةً في فعالية ثقافية من تلك التي تضج بها غزة المصلوبة ، يجادل كصاحب حقٍ ويحاجج كحامل فكرة . صافحته وتعرفت على شخصه ، وبّخت نفسي أني لم أعرفه قبل ذلك .
بعد حين سمعت صاحبنا يلوك الباطل ويمدح القاتل ويركع أمام الشهوات في كل الأحوال ، تجرعت خذلاني وقلت يا نفس ... فردّت : لا توبّخني هذي المرة إذ أخطأتُ ، فالمرء لا يعرف سرائر الناس إلا بعد خوض الصعاب ، ولا ينأى عن السوء إلا بعد اقتراب .
قلت : صدقت ، ومضيت نحو الصواب .
******
(3)
عمل مراسلا في إحدى مؤسسات الثقافة ثم غاب عن المشهد ،بعد سنوات عاد في ثوب الأديب ، يدعي الحكمة والفكر الأريب ، يكتب المقال ويشكو سوء الأحوال ، يمدح العبد ويذم الحر .
وبقدرة قادر قدم نفسه للجمهور ناقدا خبيرا يعلم بواطن الأمور، ويخرج الفكرة من بين الثغور ،
يضرب في الرمل والودع ويعطي الصكوك للشعراء والموهبة للأدباء .
يزهو مختالا في محافل لا تعرف منبته ،وعبثا يحاول أن يبيض صفحته في منابر تعرّيهِ و لا ترى فيه سوى الخواء .
******
(4)
بعد أوسلو أتانا وجهه ضاحكا حتى تكاد وجنتاه لا تظهران في صورته التي تصدرت عمودا في صحيفة يومية ، حدثنا في مقال عريض عن مبانٍ شاهقة وحدائق غنّاء ، قال سيصبح لنا وطن حر .
مدح الاتفاقية حتى تهيأ للناس أن البلاد مقدمة على الكثير من التغيير والتطوير ، وسوف يسودها حسن التدبير . وحين ترسخ النفوذ واستقرت مقاليد الأمور ، عرف من أين تؤكل الكتف فهاجم زيدا وامتدح عَمرا ، حتى تمكن من تبوء منصب رفيع في المؤسسة الثقافية .
بعد الأحداث الدامية في غزة كان الرجل قد أحيل إلى التقاعد ، وبعد أن كان أحد عرابي أوسلو المركزيين، انقلب على عقبيه وبات يهاجم كل ما يمت لماضيه بصلة ويكشف عوراته دون أن يدرك فداحة صدمة الناس به ، إذ تحوّل لمدح أصحاب النفوذ دون أن يعدل في القول أو يتقي شر الميل .
واستبدل صورته الضاحكة التي اعتمدها منذ خمسة عشرة عاما بصورة أخرى صارمة الملامح ليبدو جادا حازما ، مصرا على ما يروّجه وإن كان باطلا .
وبلا شك أن التطور التكنولوجي مزعج جدا أحيانا حيث يجبرنا أن نطالع صورته الساخطة حتى على نفسه في كثير من مواقع الإنترنت دون مفر ، فكان التعقيب واجبا :" اضحك لتكون الصورة حلوة " ، لكنه لم يستجب ، ربما لكونه يؤمن بأن تغيير الصور مرتبط بتغيير المواقف ..!!.
*****
(5)
عرفه الناس رخيصًا، سرعان ما ينحني ليلعق حذاء المسؤول لينال ترقيةً ، أو يرضى بأن يربّت على رأسه كنوع من الثناء حاله حال الكلب الذي يلهث لينال عظمةً من سيّده تعبيرا عن الرضا .
حصل على عظمته ،وكانت درجة مدير ، لكن مطامعه كبرت ، وقبل أن يحقق أهدافا جديدة وقعت المعمعة، وحدثت الفرقة واقتتل الأشقاء حتى صارت بلادنا بلدين ، وحالنا حالين ! .
لم تثنِه الدماء التي نزفت على أرض غزة ، فجرّب دور البطولة الزائفة ، نافق أصحاب المال ، وأعلن الولاء لأسياده ، وتحرّش بالحكام الجدد ليُسجن بضعة أيامٍ فيصبح مقاتلا صنديدا ! .
ولسوء الطالع الذي أحاق بغزة المسكينة، تولّى الرخيصُ أمر الموظف الوطني التعيس ، كتب التقارير ، كاد المكائد ، حبك الدسائس ، وصار رزق العباد بأيدي عبد الفساد ،واستمر الكلبُ على حاله يلعق أحذية الأسياد !.
لكنه لم يستجب ، ربما لكونه يؤمن بأن تغيير الصور مرتبط بتغيير المواقف ..!!.
صدقت فترى الكثير من الوجوه تتغير بتغير الوقت فتختلف الصورة ليكون القناع الجديد مناسب لواقع الحال
العديد من هؤلاء الأنتهازيين يطفون على الوجه في كل مكان وزمان