حَرْبٌ ... فإذا بهم قد تبادلوا الوعيد، وشرعوا يتنافسون في تصوير ما يتوعد به بعضهم بعضاً من الخراب العاجل، والدمار المقيم، والموت الزؤام، فنادى كلٌّ منهما الآخر: أن قد أهدرت دماؤكم، فودعوا دنياكم هذه، واستعدوا للرحيل الوشيك وأنتم أذلاء صاغرون، فالليلة موعدكم، ولا نحسبكم ترونها إلا قريبة، بل هي أقرب إليكم من حبال أوردتكم، فتعساً وبؤساً لكم، وبئس المصير ... تعالت أصوات هنا مستنكرة، وارتفعت أصوات هناك ينادي أصحابها بإصلاح ذات البين، ويدعون كل طائفة إلى حفظ الدمَاء وحقنها، ويستعجلونهم بالاستعاذة من وسوسة إبليس، ومن همزات الشياطين بالسلام الرحيم، إلاَّ أنَّ القوم ركبوا جهالاتهم، ولم يعيروا لسبيل الرشاد أي أذن صاغية، ولاَ أي جنانٍ بصير، فسفه أهل الطيش والبطش أحلام ذوي الحكمة والوقار والرشاد بحماقاتهم وجنونهم، ثم سرعان ما ازدرتهم أعينهم، وغدا في حكمهم كل ذي بصر وبصيرة مغضوباً عليه ومن الضالين ... غاب برزخ العقل، فالتقى الجمعان وتلاحما بالطعان، وما إن شبت نيران الحماقة بينهم واشتدَّ أوارها، حتى داسَ الأخ هامة أخيه، ودهست الأخت أختها، وسفك الإبن دم والده، وأطبقت البنت على أنفاس والدتها، فأجهزت عليها ... لم يرحم الكهلُ الصغيرَ، ولم تسلم المرأة الطاعنة في السِّن ولاَ الشيخ العجوز، ثم إن نقع الهلاك المبين طار وحلق فوق الرءوس أسوداً قاتماً، فسالت الدمَاء، وتطايرت الأشلاء، وذهل كلُّ من شهدَ هذه الواقعة ... د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي السندباد