ما صغرت يوما عنكم. كنت دائما في الظل، لكن الظل لم يتسرب إلى نفسي.
كنتم دائما في الضوء، غير أنكم كنتم ظلا في الضوء.
من موقعي كنت أسمع أناشيدكم:
"تلوح بقايا خريف
في ربيع آت...
****
في الربيع الآتي
تلوح بقايا خريف".
لم أفهم سر الابتسامة الكبيرة التي انتشرت على وجوهكم، كبارا صغارا...
كان أن هاجرت من طرف العالم المرئي واستقر بي المقام فوق مقبرة للغزاة...
بعد تأمّلٍ مُفرحٍ أنشدت:
" من أول الطريق
تلوح العذارى
وأنا في شرفتي أنتظر
أول الشتاء
وآخر الصيف".
تسلطت علي الأضواء. صار الظل خطرا على أمن الدولة. احترت وأغرقني التفكير.
بعض شعرات رأسي فقدت لونها الأسود واستعاضت عنه باللون الأبيض.
ووصلت لإستنتاج.
أرسلت أسراب الحمام محملة بأحرف تكون كلمة "سلام" في كل لغات الأرض المكتوبة.
بقيت في شرفتي المطلة على مقابر الغزاة، تيمنا بازديادها.. أنتظر الجواب أو صلاح دين جديد...
جاءني الجواب كما توجست: رصاصة في الصدر.
وضعت أصبعي في مكان الرصاصة لأمنع تدفق الدم .. طفت في الأرض جريحا وأنا أصيح:
"مهما تبعد الطريق
ويطول الزمن
ستبقى شرفتي مفتوحة
للرياح والقبل
ولكن...
يا أيها الناس
كونوا على حذر
فعندما أملُّ استمرار الصمت
سأقذف السلام معبئا
على شكل قنابل مولوتوف".
فلم تسترع كلماتي اهتمام أحد،
وقلتم انني متوحش!!
****
لاحت أسراب الطيور وراء آخر نسمة باردة . كنت في فصل الشتاء البارد قد تعلمت لغة الشيفرة الضرورية في كل الحالات .
عندما استيقظت في أول يوم مشمس بعد شتاء قارص، أرسلت بالشيفرة الرسالة الأولى:
"تلمحني كل العذارى
عمود نار
قوس قزح"
وردني جواب عاجل:
"لوحة في يد رسام"
فعرفت اني أصبحت حاذقا في لغة الشيفرة، وإنني :
"قريبا قريبا
سأعبر البحر الأبيض والأطلنطي في عملية فجائية
لأحتل شواطئ أمريكا
بعدها فقط
سأتوج جنرالا رسميا".
فازداد حصارهم وحقدهم على الظل فجابهتهم:
"سأبقى عمود نار
في شرفة مضاءة
يعكس ضوء الشمس
حتى في منتصف الليل"؟
فهل تصابون ببعض الوعي ، أم اهتف مع الهاتفين:
"عودي إلينا يا أيام صلاح الدين
فالصبر قد صار منا براء؟"
أما أنا فقد خرجت من العتمة إلى الضوء مباشرة!!
نبيل عودة - من أرشيفي القصصي (1974)
nabiloudeh***********
نبيل عوده أيّها الرّائع
وجدتني وأنا أقرأ بذهول كبير نصّك الجميل أتساءل كيف للنّص أن يكون موضوع تأويل لا يتجاسر على خفاياه سوى الرّاسخين في محبّة الوطن
وكيف أنّ اللّغة في الوطن مرجعها الفاعلون من سكنوا التّخوم والرّبى وانبثقوا من عتمة الظّلم والإستبداد نقطة تضيئ وتشّع...يتلقّون الرّصاصة بالصّدر بصمود وثبات
فالنّص هنا جاء من ذاكرة التّاريخ والمكان ....
ولتبق أنت يا نبيل عوده العمود والسّارية والوتد لأنّك جزء لا ينفصل عن ذاكرة التّاريخ فأنت العربي وأنت االبطل وأنت الشّهيد وأنت الضّوء في العتمة....
كم هو سامق وباذخ نصّك يا نبيل عودة....
الأستاذ القدير نبيل عودة
هذا النص من النصوص التي لا ترتبط بزمن بعينه لأنه يصلح لكل الأزمان
ونحن في زمن لا يفرق المرء بين العدو والصديق ولا يعرف من أين ستأتي الطعنة ومِن مَن
في هذا الوقت بالذات الكل يتوقع رصاصة تنقله من العتمة إلى الضوء
نصك رائع أستاذ نبيل
قلّب المواجع .. مواجعنا التي لا تقف عند حد
شكرا لك أيها النبيل
أثبت النص مع التقدير
هذا الشكل السردي يعتمد على السرد من خارج الحدث،. بخلق الجو .. ومعالجة الأحاسيس وليس الولوج الى المضمون مباشرة... وهي تجربة مارستها قبل أكثر من ثلاث عقود .. وتوقفت بسبب غياب اي قراءة نقدية جادة لهذا اللون. شعرت اني لم اعد مفهوما.. فعدت الى الشكل الكلاسيكي . ولكني استطعت ان ادمج تلوينات قصصية مختلفة في اسلوب السرد الكلاسيكي بحيث لم يعد تقليديا. الناقد محمد توفيق الصواف ( فلسطيني سوري) في كتابه ادب المقاومة في الأرض المحتلة انتبه للتلوين السردي والتنوع في الأشكال السردية الأمر الذي اعاد لي ثقتي باني اقف على ارض ثابته.
لدينا مشكلة نقد .. لدرجة اني اتهمت نقادنا بصياغة نقدهم قبل صدور العمل موضوع النقد وبناء على الخبر الصحفي ...
تحياتي