المساواة في أسلوب الحديث النبوي الشريف
------------------
عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار، ورجل آتاه الله مالاً فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار) رواه البخاري ومسلم.
-------------------
هذه هي البلاغة في القول وفيها طبق الرسول صلى الله عليه وسلم المفصل ببلوغ خطابه المراد بأرقى مايكون من العبارة وأرقى ما يكون من البناء في المكون اللفظي والدلالي
عبارات توزعت بين أسلوب القصر والتقسيم والتوازي بوساطة حرف العطف الذي جمع وساوى بين قارئ القرآن ومنفق المال في سبيل الله
فالمعاني بقدر الألفاظ والألفاظ بقدر المعاني لا يزيد بعضها على بعض وهذا هو المذهب المتوسط بين الإيجاز والإطناب وإليه أشار القائل بقوله : كان ألفاظه قوالب لمعانيه ، أي لا يزيد بعضها على بعض(1)
استهل الحديث الشريف بجملة إسمية مكونة من النفي والاستثناء وهو الإستثناء المفرغ ( لا حسد إلا في اثنتين ) وقد قصر فيها الرسول صلى الله عليه وسلم
الصفة على الموصوف من خلال ( لا ) التي لنفي الجنس وهي بحد ذاتها نفي مؤكد تحول ب ( إلا ) إلى إثبات قصر فيه الحسد على اثنتين فكان التقسيم لرجلين :
رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل والنهار
ورجل آتاه الله مالا فهو ينفقه آناء الليل والنهار
وهذا الحصر العددي شاع استعماله على لسان الرسول (صلى الله عليه وسلم ) في التقسيم مثل قوله: (أربع من كن فيه كان منافقا خالصا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها، إذا ائتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر )
والرسول صلى الله عليه وسلم في كثير من خطابه يؤثر عطف أحد المترادفين لا سيما إذا كان في هذا العطف ما يتبين من خلال الطباق ( آناء الليل وآناء النهار ) ليسهل ذلك على من أرسل إليه فيتلقفه بتلق سلس قابل للحفظ.
محفوظ فرج
12 / رمضان / 1437
17 / 6 / 2016 م
-----------------
1- ينظر في ذلك أسرار البلاغة ، عبد القاهر الجرجاني 20 - 21
2- يعرف التقسيم بأنه(استيفاء المتكلم أقسام الشيء ، بحيث لا يغادر شيئا، وهو آلة الحصر ومظنة الإحاطة بالشي ) / البرهان ، الزركشي : 3 / 471