كَرْبٌ شَدِيدٌ
... وكان أهل الحي منه في بلاءٍ عظيم وسوء حالٍ مقيم، فصاروا بعد مديدِ صبر على مساوئه وقبائحه، وبعد طويل احتمال لشره وأذاه، يتمنون هلاكه، ويرجون الخلاص منه سريعاً...
ثم ما إن مات وأهالوا عليه التراب، وظنوا أنهم قد استراحوا منه ومن أمثاله، حتى ظهر بينهم فجأة من سار بينهم بسيرته وزيادة، فضاقوا بمقامه بينهم، وقالوا بلسان واحد: هذا كربٌ شديدٌ...
تلاحقت الأيام والأسابيع، وتواصلت الشهور والأعوام، وهم منه في منأى ومعزل، وهو منهم على دنو مقصود ومقربة متعمدة يتربص بهم الدوائر، ويشحذ من أجل إلحاق الأذى بهم سكاكين الدسيسة والمكيدة، ويزيد سعيه بينهم بالفساد والجور والمكر اشتعالاً، فصاروا كلما أوقد ناراً متأججة ليدب الخلاف في ما بينهم ويسود أخمدوها، وكلما بعث زوبعة مدمرة من مرقدها لتنصب التفرقة في أرضهم خيمتها أماتوها، وكلما أثار عاصفة هوجاء قصد تشتيتهم أو سيلاً جارفاً للذهاب بريحهم بددُوها، فلم يملوا يوماً مجابهة مكره وعسفه، ولم يعدموا حيناً الحيلة والوسيلة لدفع شره ووأد أذيته، فكانت لهم عليه الغلبة تلو الغلبة، وتم لهم النصر بعد النصر، إذ لم يهزمهم في الحروب التي دقَّ طبولها، ولمْ يغنم منهم شيئاً في الفتن التي أيقظها...
وذات يوم نادى المنادي أن أبشروا بما صبرتم، لقد هوى من كنتم تحذرون وتجاهدون في وبال سيرته، وليعتبر بقصته من يهم باقتفاء أثره وينوي الاقتداء به، فتلك سيئاته قد عافتها العقول السوية، وكرهتها القلوب الزكية، وذلك ذكره قد نبذته الألسن الندية، وتبرأت منه الأسماع النقية...
د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
السندباد
أستاذنا الكريم د/ عبد الفتاح
مرحبا بكـ أستاذي على ضفاف النبع،
وسعيد بلقائي معكـ هنا، وأن أقرأ لكـ مجددا..
وقصتكـ (كرب شديد)..
هذه التي صغتها بحرفية كاتب متمرس وعقل واع،
ولكن للناس فيما يذهبون مذاهب..
راجيا أن يتسع صدركـ للنقد هنا، ما يعجبكـ أستاذي خذه وما لا يعجبكـ ألق به عرض البحر..
أولا: ورغم قصر القصة وعدم تطويلها إلا أن بها بعض الجمل الزائدة التي يمكن الاستغناء عنها بسهولة دون تأثير على القصة..
فأرى استطرادا في الحكي بلا داعٍ، وتكرار لمفردات تعني ذات المعنى والمفهوم لكلمات تليها أو تسبقها ..
والقصة في ضوء الفكرة المطروحة هنا لا تتطلب كل هذا الاستطراد،
ثانيا: هناكـ تبريرات غير موظفة داخل العمل وبالتالي أصبحت لا لزوم لها مثل السطرين الأول والثاني ما فائدتهما كتقديم للعمل داخل العمل السردي نفسه،
ماذا لو بدأت قصتكـ سيدي الفاضل بقولكـ:ظنوا أنهم قد استراحوا منه،..................
وأيضاً قولكـ: (ما إن مات وأهالوا عليه التراب) ماذا أفادت وأهالو عليه التراب؟
لم تقدم أية إضافة للمتلقي ولم تثري العمل سواء فنيا أو لغويا
فمن البديهي جدا من يموت أن يهال عليه التراب سواء صالحا أم غير صالح.
كذلك جملة(قالوا بلسان واحد: هذا كرب شديد) ما الذي قدمته للقارئ،
تعني أنهم يعمهم الضيق والكدر من ذلك الفاسد القاسي،
لقد ذكرت للقارئ من قبل صفات هذا الرجل وأظهرت ضيقهم منه..
ثالثا: التركيبات اللغوية لبعض الجمل غير مناسبة ولا تتفق مع التراكيب اللغوية وأصول قواعد اللغة ..
مثل قولكـ مثلاً: (ويشحذ من أجل إلحاق الأذى بهم سكاكين الدسيسة والمكيدة)،
وأصل التركيب اللغوي هنا هو (ويشحذ سكاكين الدسيسة والوقيعة من أجل إلحاق الأذى بهم).. وهكذا
عفوا أستاذنا هذا رأيي وربما كنت مخطئاً..
لك تحاياي وتقديري
د/ ثروت عكاشة السنوسي
مصـــــــــــــــــــــر
سلام الله جل جلاله عليك أخي الكريم
ثروت عكاشة السنوسي
ورحمته عز وجل وبركاته
أما قبل ...
فلكَ من أخيكَ أبي شامة المغربي غيث الشكر وفيض التقدير على جميل ترحيبكَ بشخصي المتواضع في رحاب هذه الواحة العربية الزهراء ...
وبعد ...
قرأتُ حروفكَ النقدية بانتباه مرهف، ولكَ مسك الشكر وعطر التقدير على ما بادرتَ إليه مخلصاً، وقد خلصتُ بعد قراءة كلماتكَ إلى ما بدأتَ به منها، والمتمثل في قولكَ الآتي: "ولكن للناس فيما يذهبون مذاهب"، فكذلكَ أخوك عبد الفتاح له في ما ينهجه من سبيل في الكتابة القصصية مذهبٌ يطمئن إليه، وصدق أبو فراس الحمداني عندما أنشدَ البيت الشعري الآتي:
وَمِن مَذهَبي حُبُّ الدِّيارِ لأهلِهَا * وَللناسِ فِـيمَا يـَعـْشقـُون مَذاهـِبُ
حياكَ الله
أبو شامة المغربي
الدكتور المغربي المحترم
تحية وتقدير
لم يدع لنا الدكتور عكاشة فرصة لمحاورة النص بعد أن قرأه قراءة متأنية واعية
ولكني أجد أن النص يقترب إلى الجنس الحكائي كثيراً.
من دواعي سروري أن أقرأ لك نصوصاً أخرى.
لك أسمى اعتباري.