إستيقظ الحلم .. صار حقيقة ، فهي في عاصمة الفن .. صانعة النجوم .. حلم المبدعين يالها من نشوة حين تحلق الآمال بصاحبها ، أطلقت لصوتها العنان .. تمايلت طربا .. هتفت بأعلى صوتها :
" ها أنذا بين يديك أيتها الساحرة ، فارفعيني لأستحم بنور الشمس ، لست أقل ممن اعتلو هامتك ودقوا عليها الأوتاد ، أحمليني وأقذفي بي إلى المجد "
أن تحلم شىء ، وأن تحقق الحلم شىء آخر ، فهنالك عشرات الأبواب الموصدة ، ومفاتيح تلك الأبواب لاتملكها هي ، بل يملكها آخرون .
بلغت الأحلام مداها حين التفت إليها قائلا :
ـــ أنت جميلة أتوقع لك النجاح ، ثم أسهب في الحديث عن معارفه في هذا المجال ، وأكد أنه كفيل بأن يجعل منها نجمة في مدة لاتتجاوز الشهر ، وحتى يثبت لها أنه رجل عملي ، أتصل على الفور بمدير أحد المسارح وحدد موعدا للقاء .
ـــ إنه مسرح ممتاز ، بعد أيام ستتصدر صورتك واجهته ، وستعرفين حينها أنني وعدت ونفذت .
ـــ لكنني غير متحمسة .
ـــ لماذا ؟
ـــأسم المسرح لايروق لي .
ـــ وما شأنك باسمه .
ـــ أتخيل أنه سيحلق بي حالما أبدأ الغناء .. أليس أسمه المنطاد ؟
ـــ أسمه البالون .
ـــ وما الفرق .. هذا يطير وذلك أيضا .
ـــ دعينا نتحدث عما هو أهم .. علينا أن نتفق .
ـــ نتفق ! على ماذا ؟
ـــ أريدك لي .
ـــ ماذا تعني ؟
ـــ أنت تفهمين مقصدي فلا تراوغيني .
ـــ أنت وقح .
ـــ وأنت مثيرة .
ـــ أنا لست غانية .
ـــ إن لم تكوني لي فسوف تكونين لغيري .
ـــ سحقا لك ولغيرك .
عادة ما تكون الصدمة الأولى أشد وقعا من التي تليها ، فهل ستصمد أم ماذا؟
جحظت عيناه ما إن رآها ، سألها :
ـــ ماذا تغنين ؟
ـــ أجيد غناء القصائد والموشحات ، والأدوار كذلك .. إمكاناتي الصوتية تبرز في مقامات الراست والنهاوند والبيات .
ـــ عظيم ، أنت واثقة من نفسك .
ـــ أكيد فأنا أعرف إمكاناتي .
ـــ تمهلي .. فالجمهور الآن لايهتم بالطرب ، ألا تلاحظين أن معظم الألحان التي تحدث فرقعة هي من مقام الكورد ، وهي ألحان خفيفة وسريعة "تيك أواي " كما يسمونها .
ـــ "تيك أواي" ؟
ـــ أسمعي يا آنستي ، نحن نعيش الآن زمنا مختلفا عن ذلك الذي تعرفينه .
ـــأسمح لي ، هذا غ .. ي ........
ـــ أسمحي لي أنت وتكرمي بالوقوف .. قوامك جميل وتفاصيلك رائعة .
ـــ ظننت أنك ستطلب مني الغناء .
ـــ هذا ليس مهما الآن ، فالمظهر ياعزيزتي هو العامل الأول للنجاح ، وأود أن ألفت انتباهك إلى أن مظهرك المتواضع هذا لايروق لي .
ـــ ها أنت قد تركت أهم ما في الموضوع " صوتي " ورحت تتحدث عن قوامي وملابسي ، أنا لست عارضة أزياء .
ـــ يجب أن تعلمي بأننا مقبلون على حملة إعلامية ، أساسها الأناقة والأنوثة والجمال.
تذكرت صوتا جميلا لمطربة كفيفة ، كان التليفزيون يبث أغنياتها على الدوام ، مستعيضا عنها بعرض مناظر طبيعية ، فينساب صوتها دافئا متناغما مع همس الشجر وجريان النهر الهادئ .
اشمأزت مما قال ، فصرخت في وجهه :
ـــ سحقا لك وللحملة الإعلامية .
لم تيأس .. كررت المحاولة أملا في الوصول إلى الهدف الذي جاءت من أجله .
كان يدندن على عوده حين دفعت باب مكتبه ، اعتذرت له عن اقتحامها لخلوته على هذا النحو ، ثم عرفته بنفسها ، فطلب منها أن تغني :
ـــ هل ستقفين هكذا كلوح ثلج ؟
ـــ كيف أقف اذن ؟
ـــ أين الأنوثة .. الدلع ؟ تمايلي ولا مانع أن تهزي .
ـــ لاتكمل أرجوك ، فأنا مغنية ولست راقصة .
ـــ لاتعقدي الأمور فالجمهور .........
ـــ سحقا لك وللجمهور .
وعادت من حيث أتت ، ثم أطبقت جفنيها على حلم يائس ، وقررت ألا تحلم مرة أخرى.
أحلامك جميلة ومشروعة لكننا نحيا في زمن الكوابيس
زمن الاوباش ؛ زمننا الممسوخ من كل القيم يحتاج
الى تنازلات ؛ أنت وأنا وبطلتك وكُثر من نساؤنا الرائعات
لا تجيد هذه اللعبة القذرة؛لا تتنازل عن قيمها وجسدها لاجل
الوصول الى مبتغاها ؛ اللعنة على هذا الزمن الردئ...
سيدتي.ارض الاحلام هي.الفكرة السائدة أن تلك البلد تقدم الفن وتسوقه [وأظن أني عرفته!!] ، الفن لايخضع للجغرافيا أو الكثافة البشرية أو غير ذلك مما يحاولون تكريسه ، وإنما لقدرة الإنسان على الإبداع والتحصيل معاً ‘ في عصر القرية الصغيرة لم يعد يوجد مرجعية للارتكان إليها لتسويق الإبداع..الإبداع هو يسوق ذاته ، نحن هنا أمام قصة تحدث وتحليلها يختلف كعمل إبداعي يرتكن للواقعية وأيضاً الواقعية الصادقة وهي عرض رائع لكاتبة متألقة ليس من الضروري أن تعيش الحالة لكنها تعبر عنها وتعايشها حولها..شكراً سولاف.