القصة القصيرة كغيرها من فنون الأدب مرآة الحياة فمن خلالها نتعرف إلى حياتنا التي نهملها وتهملنا في زحمة البحث المحموم عن نجمة في سماء لا تطال..
هنا دعد ترسم لنا لوحة بانورامية تبدأ بجو البيت البسيط مرورا بالشارع وما فيه من مشاهد أليمة وانتهاء بالمدرسة وقاعة الصف..
بسرعة تنهض الزوجة من نومها وتوقظ أفراد العائلة ثم تخرج منخرطة في عالم التناقضات رجل وعربته التي تذكرني بعربة البوعزيزي وامرأة تذكرني بجارة حدباء لي في عامودا كانت تكنس الشارع مقابل بيتها وتزيل منه ما تساقط ورق وتوت..
البطلة تضيق ذرعا بما ترى إذ تتألم لهذه المناظر التي تعبر عن عذابات الإنسان لا سيما في خريف عمره حيث كان يجب أن يكون في بيته معززا مكرما ولكن من أين للمجتمعات الطبقية أن تهتم بروح الإنسان .. ما الإنسان إلا برغي في آلتها الرهيبة..
في المدرسة فقط ترتاح البطلة لأنها تلتقي بالبراعم الفتية التي تأمل الكاتبة أن يعيشوا مستقبلا أفضل من آبائهم وأمهاتهم واذكر ما قاله ناظم حكمت يوما:
أجمل الأيام تلك التي لم تأت بعد
وأجمل الأطفال من لم يولد بعد
وأجمل القصائد ما لم نكتب بعد
وذكر الصعاليك جاء مدهشا فالبطلة تحمل ارواحهم الوثابة الى الحرية والكرامة ومن خلالهم عرفنا أكثر أنها تحمل روحا ثورية ممتدة عبر التاريخ وما اجمل ان نعود الى قصائدهم الخالدة لا سيما لامية العرب للشنفرى :
وفي الأرض منأى للكريم عن الأذى
وفيها لمن خاف القلى متعزل
قصة جميلة برع فيها الوصف الداخلي والخارجي والسرد العفوي واللغة الرشيقة المجنحة ..
كل ذلك جعلنا ننغمس في اعماق هذه السيرة المعبرة عن روح إنسان يضيق بالواقع المزري الأليم ويهفو إلى عالم كله حق وخير وجمال...
ودمت ودام هذا الجمال
الجميل داري
تمرّ فتتعرّى أمامك الجراح وتزيد في نزفها وأنينها لأنّها تعرف أنّها بحضرة رجل يحمل قلبا من ذهب وفكر من ذهب يتأمّل النّص فيشرّحه بصنعة واحتراف ووعي بأشكالاته وليس بهدف التّقصي
الأكاديمي الذي يفتّت روح كاتبه وأنّما بكيفيّة فتح آفاقه ومغالقه وما ظهروما بطن منه في غير انطباعيّة مزاجيّة تسقط في تقييم صارم لا يرحم ....
الجميل من الاقلام التي أذا مرّت على نصّ يلتحف الرّماد والخذلان فأنّه يترفّق به وبصاحبه فيجعله ينتفض من جديد في وجدان كاتبه ليكتسب مدى جديدا وأرحب
أخي الرّائع الجميل داري
بعض الكتابة التي تمرّ عليها أنت هنا لا تكاد تحكي شيئا ولكنّك تحتضنها برفق وتفاعل وتهبها من الرّونق والعمق ما لم يخطر على بال
ردودك تنعش الأقلام وتذكيهاوتغريها نحو مزيد من التّدفّق ....بوركت يا الجميل الغالي فقد منحتني مجالا أرحب أتنّفس فيه من خلال مرورك على هذه اليوميّات من يومياتي عندما كنت مدرّسة لمّا تحمل حقيبتها الى المعهد تتصوّر نفسها من نساء القصص العجيبة ووربّما فلتة من فلتات الزّمان الكبيرة ...وهيهات بين زمن وآخر