وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَايُظْلَمُونَ آل عمران (25)
قال الله تعالى متهددا لهم ومتوعدا " فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لَارَيْبَ فِيهِ " أي كيف يكون حالهم وقد افتروا على الله وكذبوا رسله وقتلوا أنبياءه والعلماء من قومهم الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر والله تعالى سائلهم عن ذلك كله وحاكم عليهم ومجازيهم به ولهذا قال تعالى
فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لَارَيْبَ فِيهِ " أي لا شك في وقوعه وكونه " وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَايُظْلَمُون" .
نهى تبارك وتعالى عباده المؤمنين أن يوالوا الكافرين وأن يتخذوهم أولياء يسرون إليهم بالمودة من دون المؤمنين ثم توعد على ذلك فقال تعالى " وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ " أي ومن يرتكب نهي الله في هذا فقد برئ من الله كما قال تعالى " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَاتَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ - إلى أن قال - وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ الممتحنة (1) "
وقال تعالى " يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَاتَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا النساء (144) "
وقال تعالى " يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَاتَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَايَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ المائدة (51) " الآية .
وقال سبحانه وتعالى بعد ذكر موالاة المؤمنين من المهاجرين والأنصار والأعراب " وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّاتَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ الأنفال (73) "
وقوله تعالى " إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً " أي من خاف في بعض البلدان والأوقات من شرهم فله أن يتقيهم بظاهره لا بباطنه ونيته كما قال البخاري عن أبي الدرداء أنه قال : إنا لنكشر في وجوه أقوام وقلوبنا تلعنهم .
وقال الثوري : قال ابن عباس : ليس التقية بالعمل إنما التقية باللسان وكذا رواه العوفي عن ابن عباس إنما التقية باللسان وكذا قال أبو العالية وأبو الشعثاء والضحاك والربيع بن أنس ويؤيد ما قالوه قول الله تعالى "مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ" الآية
وقال البخاري : قال الحسن التقية إلى يوم القيامة
ثم قال تعالى " وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ " أي يحذركم نقمته في مخالفته وسطوته وعذابه لمن والى أعداءه وعادى أولياءه.
ثم قال تعالى " وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ" أي إليه المرجع والمنقلب ليجازي كل عامل بعمله.
قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي حدثنا سويد بن سعيد حدثنا مسلم بن خالد عن ابن أبي حسين عن عبد الرحمن بن سابط عن ميمون بن مهران قال : قام فينا معاذ فقال : يا بني أود إني رسول رسول الله إليكم تعلمون أن المعاد إلى الله إلى الجنة أو إلى النار .
يعني يوم القيامة يحضر للعبد جميع أعماله من خير وشر كما قال تعالى " ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر " فما رأى من أعماله حسنا سره ذلك وأفرحه وما رأى من قبيح ساءه وغصه وود لو أنه تبرأ منه وأن يكون بينهما أمد بعيد كما يقول لشيطانه الذي كان مقرونا به في الدنيا وهو الذي جرأه على فعل السوء " يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين "
ثم قال تعالى مؤكدا ومهددا ومتوعدا " وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ " أي يخوفكم عقابه ثم قال جل جلاله مرجيا لعباده لئلا ييأسوا من رحمته ويقنطوا من لطفه " وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ "
قال الحسن البصري : من رأفته بهم حذرهم نفسه وقال غيره : أي رحيم بخلقه يحب لهم أن يستقيموا على صراطه المستقيم ودينه القويم وأن يتبعوا رسوله الكريم .