الفنان خالد عطية.. تشكيليٌّ تجاوز إعاقة الصمم نحو فضاء الإبداع
المشاهد للوحاته وعالم ألوانه البديع، لا يخطر في ذهنه بأي شكل من الأشكال، أن الفنان التشكيلي خالد عطية، ولد فاقداً للسمع وبالتالي فاقدا للنطق.
فعطية؛ الذي جرّب الرسم ولفت الأنظار إلى قدراته، ولم يتجاوز السابعة من عمره، دخل قلوب الناس دون عناء بإبداعه الفذ وإطلالته البشوشة المشرقة بالحياة، ودخلها كذلك بنشاطه الدؤوب داخل فضاءات المرسم التابع لعمادة شؤون طلبة الجامعة الأردنية، وهمّته العالية عملاً ورسماً وتعاوناً ومساعدة للطلبة، خصوصاً الراغبين منهم تعلم أبجديات الرسم وأصول التلوين.
لوحاته الجميلة تزين معظم جدران مباني الجامعة الأم، موهبته أصيلة لا لبس فيها، مع تركيزه على وجه الخصوص على الأعمال الكلاسيكية وبورتريهات الوجوه.
بدأت موهبة عطية عندما لم يكن يتجاوز السابعة من عمره، طالباً في الصف الأول الابتدائي في جمهورية مصر العربية، يرسم ما تقع عليه عيناه من صور فوتوغرافية.
بعد عودته إلى الأردن التحق عطية الذي يستخدم في رسوماته الألوان الزيتية والطبشور والفحم، بمدرسة الأراضي المقدسة للصم في السلط، إلا أنه لم يستطع إكمال دراسته بسبب ظروفه الصحية، بيد أنه كان يحصل على أعلى العلامات في مادة الفن والرسم التشكيلي.
وبعد أن ترك الدراسة عمل نجاراً، فيما كان يتابع هوايته في الرسم، حتى تطورت موهبته برسم الطبيعة من أشجار وجبال وصحارى وأنهار وغير ذلك من مفردات الكون.
بيت ريفي قديم وحوله مجموعة من الأطفال يمارسون ألعابهم الشعبية حول البيت، لوحة فاجأ عطية من خلالها نفسه وعائلته، وشكّلت مدخلاً لمشاركته بعد ذلك بمعرض تشكيلي أقيم أيامها في الزرقاء.
وهو المعرض الذي أسهم في إحداث النقلة الأهم في حياته ومسيرته، عندما انتبه سمو الأمير رعد بن زيد لموهبته وحقق له رغبته للعمل في مرسم الجامعة الأردنية.
عطية واجه في البدايات صعوبات في التواصل مع المسؤولين وجمهور الطلبة سرعان ما تجاوزها عبر تعاون زملائه في العمل معه وتسهيل مهمته.
وعلى مدى مسيرة مفعمة بالصمت الجليل، أنجز عطية مئات اللوحات والجداريات، وشارك في عشرات معارض الجامعة التي تقام في مناسبات وأعياد وطنية: عيد ميلاد جلالة الملك عبد الله الثاني، عيد الاستقلال ويوم الجيش والثورة العربية الكبرى، إلى جانب مساهماته في تدريب أعداد كبيرة من طلبة الجامعة على مهارات الرسم وأصوله ومدارسه.
طلبة (أيام زمان) لديهم، بحسب عطية، اهتمامات في الرسم أكثر من طلبة هذه الأيام، ومستوياتهم الفنية متميزة، في حين أن معظم طلبة الجيل الحالي يهتمون بالتكنولوجيا أكثر من اهتمامهم بالرسم.
أواسط العام 1997 شارك عطية في معرض أقيم أيامها في المركز الثقافي الملكي، حضره وفد هولندي، ولفت انتباهه تميز عطية وموهبته، ودعاه الوفد إلى زيارة هولندا، وما كان منه إلا أن لبى الدعوة وأقام شهراً كاملاً هناك.
إنها الزيارة التي شكّلت كما يقول عطية، فرصة له وحافزاً لتطوير مهاراته الفنية من خلال الاطلاع على التجربة الفنية الأوروبية بشكل عام، والتجربة الهولندية بشكل خاص.
يحب عطية الذي أنعم الله عليه بولده الوحيد محمود، عمله، ويملك مثابرة عميقة على مواصلة الرسم والتلوين، فهو يرسم كما تصف مشرفة المرسم الجامعي زيزيت أبو خضرا، من داخله قائلة: "إن اتجاهاته تتبع المدرسة (السريالية) المتعلّقة بالرسم من داخل الإنسان"، دون أن تنكر قيمته الكلاسيكية كفنان يرسم التفاصيل وما يدور في ذهنه بدقة، إلى جانب تميزه في رسم (البروتريه).
اعداد : مـحـمـد مـبـيضيـن
محمد جميل خضر