وتبددت الأحلام/قصة من الواقع العراقي
رن جرس هاتفه المحمول ليلا وكان صوت شقيقه على الطرف الاخر
-متى ستترك العراق يانمير
- انتهيت من كل شئ وأكملت معاملات الجوازات وصدقت شهادات البنات المدرسية
-لماذا لا تسرع بالخروج
-سأبيع أثاث البيت غداً
-لا تفكر بالمبلغ أترك كل شيء
-لقد انتهيت من تأجير بيت الوالدة وعرضت بيتي للإيجار
-وماذا تنتظر
-لم أجد مؤجراً سأضطر إلى تركه فارغا
-تعجل بالله عليك فالوضع يزداد سوءاً ..سوف أتصل باصدقائي غداً ليحجزوا لك شقة في عمان ... لا تفكر بشئ
-شكرا وبارك الله بك أخي
-لا تتأخر أرجوك -إن شاء الله
-لا اله الا الله
-محمد رسول الله
في تلك الليلة التي غاب عنها ضوء القمر لم يغفو له جفن وهو يستعيد تلك الذكريات المحفورة على جدران البيت وفي كل زاوية من زواياه,, حكاية عمر وقصة حب وضحكة ودمعة ,,تطلع إلى وجه زوجته في الظلام ربتَّ على يدها مسح دموعها والأفكار تنهش رأسه.
-حبيبتي لم يتبقى إلا القليل والبنات يكونوا بأمان هناك,, وتنتهي تلك الصباحات المتتالية بلون الوجع ورائحة الموت والخوف فتكبر أحلامنا وتترعرع ,,أصبري إن الله مع الصابرين .
في الصباح أتصل بمكتب السفريات وأتفق على تأجير سيارة لتقلهم فجراً إلى عمان .
مر اليوم كئيباً ,,صمت رهيب وفي مخيلة كل فرد من أفراد العائلة أحلام ستبدأ مع بزوغ أول خيط من فجر الغد بعيداً عن حمامات الدم وصوت القنابل ودوي التفجيرات وليالي الرعب بعد أن كثرت الإغتيالات وأصبحت الطائفية سلماً يسيرون به على جثث البشر ليجلسوا على الكراسي .
بدأت مساحة الليل تكبر والعتمة تزداد وهو يفكر ياترى ماذا سيعمل !!
أحتضن بناته الثلاثة وهو يداري وجهه كي لا يشاهدوا دموعه
وفجأة يتغيير في الخارج كل شيء ,,وجوه تعبر مسرعة ,,ضوضاء تلف المكان ولم يعد يسمع سوى أصوات المؤذنين في كافة الجوامع القريبة
الله اكبر الله اكبر الله اكبر
أنتفض من مكانه ليخرج مسرعاً
- إلى أين أنت ذاهب يانمير في هذا الظلام وفي هذة الساعة
-ساعود حالا فقط لأرى ماذا يحدث في الخارج قد يكون هناك من يحتاج للمساعدة لا بد أن يكون هنالك سبباً ,,لم كل هذا التكبير هل محلتنا في خطر ؟ أتركيني بالله عليك لأرى ما يدور.
-ولكن بناتك مفزوعات
-كوني بجانبهم حتى أعود لن أتأخر
مضى الوقت ثقيلا,, الهواء يحرك الستائر بقسوة وصوت الأطلاقات الناريةوعجلات الدبابات يهز المكان يعقبه صراخ وأنين يهزها و يتهاوى فوق رأسها كالمطارق.
خيط من ضوء بدأ يزيل عتمة الليل يلوح من خلف زجاج النوافذ وهي تردد الآيات القرآنية وتتظاهر بالصلابة والتماسك لتزرع في نفوس البنات المرعوبات الطمأنينة .
وفجأة ساد السكوت ..وبقيت تنتظر ,, أقلقها تأخره والخوف يعتريها ,,تماسكت وأستندت على الجدار ,,ركضت مسرعة نحو باب الدار لتبحث عنه ,,تسمرت في مكانها وسقطت مغشيا عليها وهي تراه ملقى على الارض مضرجا بدمائه فاتحاً يديه ....
ليضيف رقما ً جديداً في سجل الشهادة.
10\5\2008