يرى علماء النفس ان الشخصية هي (جملة من الصفات الجسمية والعقلية والمزاجية والاجتماعية والخلقية التي تميز الشخص عن غيره تميزا واضحا ..وبأنها مجموعة صفات الشخص كما تبدو في علاقاته مع الناس ، أو انها مركب من صفات مختلفة تميز الشخص عن غيره خاصة من ناحية التكييف للمواقف الاجتماعية ). (1)
وقد ارتبط تفسير علماء النفس لتفسير معنى الشخصية وادراك ماهيتها بدراسة الصفات والملامح التي تظهر على سلوك الفرد وتركزت جهودهم على تحديدها بما يلاحظ منها على علامات الفرد عند تعامله مع غيره أو تعامله مع أنظمة المجتمع وقياسها بمدى انسجامه مع البيئة والمحيط الذي يعيشه أو اختلافه عنه أو تناقضه في سير حياته وسير نظام المجتمع الذي يحكم سلوك الفرد العام وبطبعه ونظامه وهذا هو نظام مجتمع علماء النفس وافرازاته الحضارية والثقافية والشعورية .
وقد قسم علماء النفس الشخصية الى نماذج وان أشهر محاولاتهم هي التي قام بها العالم السويسري كارل يونغ حيث وضح نموذجين للشخصية وهما الشخصية الانطوائية والشخصية الانبساطية فيما اصطلح لها آخرون تقسيمات اخرى متعددة وان كل باحث أو منظر يحاول أن يعطي وجهة نظره في تعريف الشخصية بمنظوره الخاص للانسان أو الشخصية أو السلوك ولا يوجد تعريف واحد للشخصية ( فلقد احصى علماء النفس حوالي خمسين تعريفا للشخصية ولعله غفل عن تعريفات اخرى )(2)وهناك تعريفات ونظريات متعددة للشخصية مثل نظرية التحليل النفسي والنظريات الديناميكية وتقدم هذه النظريات في تحليلها للشخصية طبقا لعمليات انفعالية في السلوك والنفس والعقل باعتبارها غير ثابتة وبهذا تميزت عن نظرية الملامح والنموذج في الجسد التي تؤكد ثبات الصفات في الشخصية .
فمثلا نظرية التحليل النفسي فهي ذات قيمةخاصة في تفكير علماء النفس ذلك لانها أكثر مدارس علم النفس المعاصر اهتماما واضافة الى موضوع الشخصية في حالتي استوائها واعتدالها فهي لن تقف عند وصف سمات بل كانت أول من قدم لعلماء النفس صورة عن مكونات الشخصية ووظيفتها وتفاعل بعضها مع بعض ومع العالم الخارجي بما يؤدي الى ظهور السمات وتغيرها وانحرافها ويرى مؤسس هذه المدرسة (فرويد) ان للشخصية جوانب ثلاثة هي :هو وأنا والأنا الأعلى (3).
و هو اسم أصطلح به على مجموعة الدوافع الغريزية التي يرثها الانسان وبعبارة اخرى هو طبيعة الأنسان الحيوانية قبل ان يتناولها المجتمع بالتحوير والتهذيب (4)وأنا اسم اصطلح به على مركز الشعور والأدراك والحكم والتبصر في العواقب كما انه المشرف على افعالنا الأدارية أي مشرف على الجهاز الأرادي فعن طريقه تتحقق الدوافع أو لاتتحقق . (5)
اما ألأنا الأعلى فهي مجموعة الضوابط والقوانين وما يجب الالتزام به من القيم والأفكار التي يفرضها المجتمع والحضارة على ال هو و الأنا وهي ليست عملية توجيهية في حياة الفرد انما ببساطة اسم لمخزن الخيرة ولاسيما ماكان متصلاً بالعالم الأجتماعي للأنسان . (6)
وتتكامل هذه الصورة للشخصية في مجاذب الجوانب الثلاثة وحركتها في الجذب والشد وفي حالة التوافق يكون سير الحياة طبيعيا ًفي الشخصية وان فشلت فعالية التجاذب (في هذه الحالة لشطط في القوى الثلاثة المحيطة به اختل التوازن النفسي وكانت النتيجة مرضا نفسيا او عقليا أو سلوكيا ًاجراميا أو غير ذلك من ظروب الأضطراب )(7) .
لذا فأن الشخصية بمفهوم التحليل النفسي ميدان لتصارع القوى والدوافع في هذه الجوانب الثلاث ويعتبر هذا المفهوم من أهم ما أضافته مدرسة التحليل النفسي لا الى نظرية الشخصية فحسب بل الى علم النفس بوجه عام . وهناك النظرية التعلمية على ضوء نظريات التعلم لتفسير معنى الشخصية وهي بذلك تؤكد تأثير العوامل الفسيولوجية في ماهية الشخصية وتغيراتها كما ان هذه النظرية عجزت (عن تقديم وصف مرضي للشخصية الأنسانية لأنها عجزت عن أيضاح الدور الذي تلعبه الآليات الغريزية في السلوك البشري .(8) وان هذه النظريات قامت على أساس نظريات التعلم في فهم السلوك طبقا لمفاهيم الأشراط والمحاولة والخطأ .
والشخصية التي يحملها الأنسان هي نمط معين في التفكير والسلوك ليست هي مسالة فطرية او خاصة طبيعية أي هي ليست جزءا ً من ماهية الأنسان وانما هي الطريقة التي يجري بها الانسان شعوره أي هي طريقة بناء وتكوين العقلية والنفسية والتصرف وفق هذا البناء سلوكيا ً.
وان التركيبة الفطرية ( الهو والأنا والأنا الأعلى )التي قال بها علماء النفس هي امور فرضية قدروا بها ماهية أو معنى الشخصية وليست هي امور حقيقية محسوس لها واقع اما الدوافع والطاقة الحيوية فهي جزء من ماهية الانسان وجزء من طبيعته الحيوية والأفكار أو القيم او المشاعر التي اشار اليها علماء النفس كلها امور قائمة بشروطها وعواملها وليس هناك أية علاقة آلية او دينامية فيما بينها ولا يعني وجود العلاقة بينهما ضرورة وجود الصراع بشكل متبادل .
ولأجل فهم معنى الشخصية علينا بمعرفة العلاقة الجدلية بين الشخص والشخصية والمعروف لا شخصية بلا شخص لأن الشخص بُعدْ فكري محدود بالقيم والمفاهيم من الكون والانسان والحياة والشخص هو الذات التي تحمل تلك القيم والمفاهيم وانه قد تظهر كل ابعاد الشخصية في سلوك الشخص في الحياة وقد تختفي اكثرها وربما هناك تشابه كبير الى حد ما بين تصرف معين مع تصرف آخر لشخصين الا ان شخصية كل منهما تختلف عن الآخر من حيث المقومات والمكونات وهذا امر موجود في الواقع ولذلك ينبغي ان تكون دراسة الشخصية على ضوء معرفة الأساس الذي تجري عليه التصرفات والسلوكيات لدى الاشخاص فتكون دراسة الشخصية دراسة لخط فكري ومنهاج سلوكي لطراز معين في عيش الانسان المعني الذي يحمل شخصية معينة ويبقى الفرد (الشخص المعين ) له ماله في حدود امكانياته وقدراته في تكوين هذا البناء من المفاهيم والقيم في عقله ونفسه وتصرفاته .
ان العلاقة بين العقل والشعور والاحساس وما ينتج من سلوك الانسان هي في حقيقتها علاقة حتمية تنساب طبيعيا في ماهية الانسان وذلك بأن يضبط سلوكه وفق عقليته على اساس رؤية عقائدية يجري فيها صقل ومدارات متطلبات النفس استجابة لأشباع دوافع الطاقة الحيوية فلا صراع ولا تضاد وانما هو جريان الفكر والشعور في انتاج سلوك يتصرف به تجاه واقع الإشباع حسب المطلوب على أساس كيفية معينة تتكون منها الشخصية ، وهذه الكيفية هي نفسها التي تجري عليها بناء العقلية او القاعدة التي يجري عليها ربط المفاهيم بالميول ويتأتى بهذا الربط تكوينا إنسانيا ً هو الشخصية المعينة وما يزال علماء النفس يقولون ان المستقبل قد يأتي بنظريات أخرى قد تكون أكثر عمومية وأشد عمقا ً ومهما يكن من أمر فأن تعريف ثابت للشخصية يعتبر من الأمور الصعبة والمعقدة بعض الشيء وحتى علماء النفس من خلال ابحاثهم المستفيضة لم يقدموا عن مفهوم الشخصية ما يمسح عنها الغبار ويبقى المفهوم غامض ومتشعب بعض الشيء ...
الهوامش
(1)اصول علم النفس/د.احمد عزت راجح ص 459
(2) نفس المصدر ص 460
(3)نفس المصدر ص 720
(4)نفس المصدر ص 641
(5) دراسة في التكيف البشري د. فاخر عاقل ص 514
(6)اصول علم النفس ص 722
(7)نفس المصدر ص478
(8) علم النفس :دراسة في التكيف البشري د.فاخر عاقل ص 726
التوقيع
آخر تعديل عواطف عبداللطيف يوم 06-07-2010 في 01:11 AM.
مقال قيم ومهم
النفس البشرية وتحليلها الذي يتطور يوم بعد يوم
يحتاج ربما للعديد من الدراسات
لأول مرة اقرأ لك موضوع مغاير عن القصة ومع ذلك
وجدت رابط وهو محاكاة النفس البشرية
رائع في كل ما تكتب أستاذي القدير
تحياتي ومودتي
الكاتبة المبدعة الاستاذة رائدة زقوت
محبتي
اعتز بما تقولين ايما اعتزاز واشكر متابعاتك الجادة لما يكتب
وهذا دليل على موسوعيتك وثقافتك المتنوعة
شكرا وتسلمين ..