قلب كبير وسع كل المحبة
وحمل الخير والوفاء
تحياتي شاعرنا القدير الأخ رياض
والمؤمـنون بـنصر الله قـد فرحوا
نصر سـتعـلـنه الآفاق والسـبلُ
إذ ذاك والله يصـحو المسلمون وكلّ
واحدٍ منهم في سـوحها بطـلُ
يسـود من سـاد قبل الآن مفتخـرا
والفجر يحدو وأهلُ الله والرسلُ
هـناك تدنو من الأقـصى ركائبنا
هـناك جرحك يابغداد يندمـلُ
قصيدة متوهجة نظمها الشاعر الكبير رياض شلاّل المحمدي ، فيها يبثّ أشجانه ببراعة تجلّت في شاعريته الفذّة .
عنوان القصيدة ( جراح وجراح ) ، يشكل مدخلا حقيقيا للولوج للقصيدة ، ويباغتنا التساؤل الذي نعرف إجابته مُسبقاً : لماذا قام بتكرار كلمة جراح معطوفة على ذات الكلمة ؟
نرى أن الكلمة المعطوفة حملت معنى التكثير ...وكأنه أراد أن يؤكد أننا أمام قصيدة تقدم لنا الجراح الكثيرة ...
مطلع القصيدة :
يا جـرحَ بغداد : ماذا تنظمُ المقلُ ؟؟ لو عاينتكَ .. وفكـــري مسّـــــه شللُ
نجد الشاعرَ قد بدأ قصيدته دون توطئة ودون تمهيد ، فموضوع القصيدة والحالة التي يعيشها وهو ينظمها كانت تسيطرُ عليه الفكرة، الأمر الذي جعله يخرج عن الشكل التقليدي في بناء القصيدة .
حتّى أنّه لجأ لتوظيف مفردة ( جرح ) لتتماهى مع العنوان ( جراح وجراح) تعبيرا عن الحالة النفسية التي تسيطر عليه .
ولو تأملنا المطلع نجد أنه قدم علامات الإستفهام قبل ( لو عاينتك ) والتي عندها ينتهي التساؤل ، ولكنّه أراد من ( لو عاينتك ) أن يستأنف الصورة تاركا كلاما محذوفا بدلالة علامة الترقيم والتي اقتصرها على نقطتين وكان يجب عليه أن يجعلها ثلاثة كما جاء في علم الترقيم ...
يتساءل الشاعر : يا جرح بغداد الغائر في عمقه في وجداننا ، ماذا يمكن للعيون ان تنظم فيك لو قدمت معاينة لحجم جرحك ، وماذا يمكنها أن تكتب وقد أصاب الفكر والعقل الشلل والعجز عن وصف ما أصابك ...ونجد في قوله ( تنظم ُالمُقلُ ) استعارة بديعة حين شبّه المقل بالإنسان الذي يكتب وينظم الشعر وحذف المشبه به وأبقى شيئا من لوازمه على سبيل الإستعارة المكنية .
ويستمر التساؤل حول هذه العيون : فهي تذرف الدمع وتقدم العتاب لمن خذلها من أشقاء وأصدقاء في ظل الحيرة التي تحيط بالأيام ...حيرة من عدم تخلي بغداد عن كل الذين لم تجدهم في محنتها ، هل يستمر بكاؤها وعتابها وحيرتها أم أنها تستحم وتغتسل بتراب الحب !!؟
يا لها من صورة غاية في الروعة والجمال ، يشبه القلب بالرأس الذي يشيب شعره وحذف المشبه به مبقيا شيئا من لوازمه (الشيب ) على سبيل الإستعارة المكنية ، يقول أن قلبه قد اشتعل فيه المشيب قبل أن يشيب شعر رأسه ...وأمام هذا الوجع الذي جعل القلوب تشيب قبل الرؤوس ، وأمام هذا الألم يتساءل الشاعر أي ألم بإمكاننا احتماله . نغصّ بــالآه فــــرط الآه لا ســــــلمت يــدُ الذي بعــذاب النـــــــــاس يحتفل ُ
وهنا نراه يرسم حجم الوجع بصورة أكثر عمقا وتوضيحا ، فالأه مكان عميق قد وجدنا أنفسنا فيه ثم نراه ناقما ساخطا على كل يد تسببت في هذا الوجع والألم وهي بعذاب العراقيين وآلامهم تحتفل ... يـدُ الذي بغــــراب البين مبتهــجٌ يبتاع بالدّيـن وهو الخانع الوجلُ
وفي هذا البيت يفسّر البيت السابق ، ذلك الذي جرّ الويلات وهو يتستر بغطاء الدين رغم أنه ذليل خائف ...
يـدُ الذي أحــــــرق البنيان يحســبه ثـأرا لـهُ – وهو بالأحقاد يـعـتـمــلُ يـدُ الذيـــن استباحوهـا بلا شـرف فـلـلـبـلاد أنيـنٌ بالــــــــــــغٌ جَـلـلُ
ويستمر في فضح هذه اليد وتعريتها ، فهي التي أحرقت البنيان والمنازل ظنّا منه أن هذه المنازل وهذه الحضارة بينه وبينها ثأرٌ قديم جاء ليتخلص منها ، وحقيقة الأمر أنّ الدافع لكل ذلك هو الحقد الدفين في نفوسهم الخبيثة وهؤلاء هم الذين استباحوا الحرمات ودمّروا وخرّبوا دون شرف ودون أصل ، تاركين اليلاد بها أنين عظيم ...وجميلة هذه الصورة البيانية حين ذكر البلاد وأراد الحالّين بالبلاد ( الناس ) وهو مجاز علاقته محليّة حين ذكر المحل وأراد الحالّين بالمحل كما في قوله تبارك وتعالى في سورة العلق : ( فليدعُ ناديه ) ذكر سبحانه المحل ( النادي ) وأراد الحالّين بالمحل .
وهـم جـــلاوزةٌ جاؤوا على أمـلٍ أن تنتهي الروح والأمجـاد والمثلُ
وهؤلاء الجلاوزة ( الشرطة ) الذين جاؤوا بهدوء وتخطيط مسبق تحدوهم الآمال أن يقضوا على روح العراقيين ويتخلصوا من أمجاد وحضارة العراق.
لكنّهم خسـئوا فاللطفُ منهــمــرٌ به الحكايا الى كـلّ الورى تصـلُ
ثم ّ تأتي الإجابة سريعة بأن كل مخططاتهم وتفكيرهم خائبة ، ذلك أنّ لطف الله تعالى بالعراق ينهمر من السماء كما المطر ، وحكايات صمود وثبات العراق قد وصلت لكل الناس . ياجرح بغداد فاض الدمعُ منذهــــلاً ماذا نعلّل ؟ من يصغي لمن ذهـلوا ؟
وهنا الشاعر يبكي حسرة على جرح بلاده وأنّ دموعه قد فاضت في ظل ذهوله ومَن سيسمع صوته ونحيبه ومن سيصغي لوجعه والامه ... ماذا نعـلّل ؟ أيّ العذر ينجدنا ؟ وهـل ستجدي خرابَ المنزل العللُ ؟ وهـل هناك بـقايا في جوانحـنا بـه نداوي ، لــيشفى ذلك الأمـلُ ؟
وفي البيتين السابقين أسئلة استنكارية تتلخص في بثّ وجعه وحزنه
( وا ضيعة الأرض ان ظلّت شوامخها تهوي ، ويعلو عليها الدون والســـفـلُ )
ونجد الشاعر رياض أحسن في تضمين هذا البيت للشاعر العراقي المبدع / عبد الرزاق عبد الواحد في رائعته ( يا صبر أيوب ) .
الشاعر رياض شلاّل المحمدي شاعر مطبوع ، نلمح من خلال أسلوبه تأثره بشعر الأجداد خاصة المتنبي وأبي تمام ، امتازت قصائده بجزالة الألفاظ وطول النفس وقوة التراكيب وكثرة الصور البيانية التي يوردها قصادئده دون تكلف أو صنعة ، كذلك يجد المتتبع لشعره بُعده عن اللجوء لرصف الكلمات .
وهو شاعر ربما أخطأه الزمن فجاء في زمن المتأخرين رغم أنّ قصائده وشاعريته تنتمي لشعر وجيل الأولين ...
واخترنا هذا الجزء من القصيدة الباذخة في محاولة منّا للولوج للقصيدة وتقديم قراءة تليق بجمالها وإبداعه ...آملا ًأن أكون قد استطعت تقديم القراءة التي يستحقها يراعه وتستحقها قصيدة بهذا الحجم من الجمال والإبداع .
فإن أصابني التوفيق فمن الله تبارك في عُلاه ، وإن أخطأت فمنّي ومن الشيطان .
بذخ في النظم وعمق في الغرف وأناقة في السبك..
كما عودتنا أيها القدير.. بمتعة الغوص نحو غاية التأثير..
سلمت أناملكم وحواسكم الوطنية الفذة
ولعل النصر قريب بحول الله وتقديره.. وعسانا من أهله
محبتي والاحترام