من خلف القضبان .. صاح المتهم بأعلى صوته : يحيا العدل .. يحيا العدل .. يحيا العدل.
غادر القاضي منصته على عجل .. دون أن يلتفت إلى الضجة التي عمّت القاعة بعد النطق بالحكم .
في هذه الأثناء ،وفي غرفة مدير أحد البنوك، كانت تضع ساقا على ساق امرأة أربعينية ، تنتظر باسترخاء أمر صرف الصك الذي يحمل رقما خياليا نظير إطلاق سراح مجرم عتيد، برّأته المحكمة للتو !.
صرخ المتهم بجملة "يحيا العدل" لما تأكد من جرعة المال أنها أعطت مفعولها في تخريب العدالة ،وإمالة البراءة إلى جانبه .وما صراخه إلا نوع من التحدي والفوز والنصر ..
وضعية نطق الحكم بالبراءة خلفت ردود أفعال لكنها لم تكن فاعلة لتغيير مجريات الحدث ، فللقضاء كلمته ،وللجمهور كلمته وهما متناقضان على مستوى الفعل والأجرأة. وضعية مكشوفة ،واضحة ، تكرس الظلم والباطل وتخفي الحقيقة التي اختفت مع القاضي والمجرم .
جميل لما عمدت الساردة على تصوير مشهد المحاكمة دون تعليق أو تعقيب أو شرح لما حدث ،فهي عرضت الحدث كما هو في قالب سردي يغلب عليه نوع من السخرية والتأسي ..
عمدت الساردة لتبديد حيرتنا لما غيرت المكان والزمان ، فكأنها أسدلت الستار عن ما جرى في المحكمة . وفتحت كوة أخرى ضيقة عن ما يجري في البنك ،غاب القاضي ،والمتهم ،والجمهور... فحضرت امرأة تتسلم المال من مدير البنك ،حدث يجري في الكواليس ،حادث الرشوة وضح لنا فعل القاضي وسرعته في نطق الحكم ، وخروجه بسرعة من المحكمة ربما خوفا من الاحتجاجات.
جاءت كلمة "امرأة " في النص نكرة ،ربما هي شخصية مقربة للقاضي ،زوجته ،محامية ...المهم هناك تواطؤ سافر في الإجهاض على العدالة .
النص يعالج قضية اجتمعت فيها ثلاثة أشياء : المال ،التواطؤ على قتل الحقيقة ، إشاعة الظلم . خيوط محبوكة ، متماسكة تم نسجها في الخفاء ساهم فيها كل من القاضي ،والمرأة .والمجرم .أعتقد أن مثل هذه الحوادث كثيرة وموجودة في كل المجتمعات بنسب متفاوتة .
وليس بغريب على أصحاب المال أن يستغلوا هشاشة الأجهزة القضائية لإفلات المجرمين من العقاب والقصاص. فلا مكان للأمن والاستقرار بدون عدالة واستقامة القضاء .
نص جميل منتزع من الواقع الاجتماعي ،صيغ بفنية أدبية متميزة ،لم يقدم لنا السارد المعلومة جاهزة ودفعة واحدة ،بل كان هناك تدرج في تمريرها للقارئ للتأكيد والتحفيز على التأمل والتعاطف والدفع إلى التغيير الممكن ..
جميل ما كتبت أختي المبدعة المتألقة سولاف،هكذا قرأت هذا النص ..
مودتي وتقديري